وسمي مسجدهم ذا القبلتين ومقابلة العين من المدينة إلى مكة لا تعرف إلا بأدلة هندسية يطول النظر فيها فكيف أدركوا ذلك على البديهة في أثناء الصلاة وفي ظلمة الليل ويدل أيضا من فعلهم أنهم بنوا المساجد حوالي مكة وفي سائر بلاد الإسلام ولم يحضروا قط مهندسا عند تسوية المحاريب ومقابلة العين لا تدرك إلا بدقيق النظر الهندسي .
وأما القياس فهو أن الحاجة تمس إلى الاستقبال وبناء المساجد في جميع أقطار الأرض ولا يمكن مقابلة العين إلا بعلوم هندسية لم يرد الشرع بالنظر فيها بل ربما يزجر عن التعمق في علمها فكيف ينبني أمر الشرع عليها فيجب الاكتفاء بالجهة للضرورة .
(وأما الاكتفاء بالجهة عند تعذر المعاينة فيدل عليه الكتاب والسنة وفعل الصحابة -رضي الله عنهم- والقياس أما الكتاب فقوله تعالى: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره أي: نحوه) هكذا فسره nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي قال وقيل: الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء من شطر إذا انفصل ودار شطور أي: منفصلة عن الدور، ثم استعمل الشطر لجانب وإن انفصل كالقطر، وكذا قوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام .
(ومن قابل جهة الكعبة يقال: قد ولى وجهه شطره) قال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي: إنما ذكر المسجد دون الكعبة لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان في المدينة والبعيد يكفيه مراعاة الجهة فإن استقبال عينها حرج عليه بخلاف القريب، (وأما السنة فما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه nindex.php?page=hadith&LINKID=677514قال لأهل المدينة: ما بين المغرب والمشرق قبلة. والمغرب يقع على يمين أهل المدينة والمشرق على يسارهم فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميع ما يقع بينهما قبلة ومساحة الكعبة لا تفي بما بين المشرق والمغرب، وإنما يفي بذلك جهتها) .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وصححه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وقال: منكر nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . اهـ .
قلت: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم كذلك وقال هو على شرطهما وأقره الذهبي ولفظهم جميعا nindex.php?page=hadith&LINKID=34252ما بين المشرق والمغرب قبلة، وزاد الديلمي في مسند [ ص: 446 ] الفردوس مفردا nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي بزيادة: لأهل المشرق فليحرر، قال المناوي في شرحه على الجامع أي: ما بين مشرق الشمس في الشتاء وهو مطلع قلب العقرب ومغرب الشمس في الصيف، وهو مغرب السماك الرامح قبلة أهل المدينة، فإنها واقعة بين المشرق والمغرب وهي إلى طرف المغرب أميل فيجعلون المشرق عن يمينهم والمغرب عن يسارهم .
(وروي هذا اللفظ أيضا عن عمر) بن الخطاب (وابنه) nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من طريق شعيب بن أيوب عن عبد الله بن نمير عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر.
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل وقال: الصواب عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي كذلك ولفظه بعدما أورد الحديث المراد - والله أعلم-: أهل المدينة ومن كانت قبلته على سمتهم فيما بين المشرق والمغرب تطلب قبلتهم ثم يطلب عينها، فقد روى nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بن أبي نعيم عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت، وفيه ثلاثة أمور: الأول: أن نافع ابن أبي نعيم قال: فيه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ليس بشيء في الحديث حكاه عنه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في الكامل وحكى عنه الساجي أنه قال: هو منكر الحديث، والثاني: أن هذا الأثر اختلف فيه عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع فرواه ابن أبي نعيم كما مر، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال. الثالث: قوله: إذا توجهت قبل البيت. يحتمل أن يراد به طلب الجهة فيحمل على ذلك حتى لا يخالف أول الكلام وهو قوله ما بين المشرق والمغرب قبلة فتأمل .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في المصنف عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر موقوفا وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر موقوفا ثم هذا الحديث بظاهرة معارض لما فيه المتفق عليه من حديث أسامة، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=72607أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل البيت ودعا في نواحيه ثم خرج وركع ركعتين في قبل الكعبة وقال: هذه القبلة. واختلف في تأويله فقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: قوله: هذه القبلة. معناه أن أمرها استقر على هذه البنية فلا ينسخ أبدا فصلوا إليها فهي قبلتكم، وقال النووي: يحتمل أن يريد: هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله لا كل الحرم ولا مكة ولا المسجد الذي حولها بل نفسها فقط .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس واتفقا عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مع اختلاف . اهـ .
قوله: على أهل مسجد بني سلمة ومر عليهم في صلاة العصر، وأما أهل قباء فما أتاهم إلا في صلاة الصبح. هكذا أخرجه في أول الصحيح وأيضا في التفسير عن أبي نعيم محمد بن المثنى، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن محمد بن بشار ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن أبي إسحاق عنه، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن علقمة بن عمر، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في الصلاة عن عبد الله بن جابر، وفي خبر الواحد عن يحيى عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع كلاهما عنه به، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن إسحاق بن يوسف الأزرق عن nindex.php?page=showalam&ids=15926زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق، وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين وهو الصحيح عند أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، فمن صلى إلى جهة فتغير اجتهاده في أثنائها فإنه يستدير إلى الجهة الآخرة كما تقدم، وفيه دليل على قبول خبر الواحد وهو مجمع عليه، وفيه وجوب الصلاة إلى القبلة والإجماع على أنها الكعبة وبه يحتج على أن من صلى بالاجتهاد إلى غير القبلة ثم تبين له الخطأ لا تلزمه الإعادة; لأنه فعل ما عليه في ظنه مع مخالفة الحكم في نفس الأمر كما أن أهل قباء فعلوا ما وجب عليهم عند ظن بقاء الأمر فلم يؤمروا بالإعادة .
(ومقابلة العين من المدينة إلى مكة لا يعرف إلا بأداة هندسية) بترتيب آلات غريبة (يطول النظر فيها فكيف أدركوا على البديهة في أثناء الصلاة) إذ ورد عليهم الخبر وهم راكعون، (وفي ظلمة الليل) إذ كانوا يصلون الصبح بغلس (ويدل أيضا) من فعلهم (أنهم بنوا المساجد حول مكة وفي سائر بلاد الإسلام) كالكوفة والبصرة ومصر والشام ومرو وقرقيسيا وغيرها (ولم يحضروا قط مهندسا) ولا منجما (عند تسوية المحراب) ولما كانوا يعرفون الإسطرلاب (ومقابلة العين لا تدرك إلا بدقيق النظر في الهندسة) ومعرفة آلات الفن .
(وأما القياس فهو أن الحاجة إلى الاستقبال وبناء المساجد في جميع أقطار الأرض ولا يمكن مقابلة العين) في محاريبها (إلا بعلوم هندسية) وآلات فلكية وأرصاد الكواكب السبعة السيارة (لم يرد الشرع بالنظر فيها بل ربما يزجر عن التعمق) أي: غوص الذهن (في علمها فكيف يبنى أمر الشرع عليها فيجب الاكتفاء) في البلاد البعيدة (بالجهة للضرورة) الداعية .