فإن قلت : تعلم الجدل والكلام مذموم كتعلم النجوم أو هو مباح أو مندوب إليه ؟ فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف ، فمن قائل : إنه بدعة أو حرام وأن العبد إن لقي الله عز وجل بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام ومن قائل : إنه واجب وفرض ، إما على الكفاية أو على الأعيان وأنه أفضل الأعمال وأعلى القربات فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله تعالى .
وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل ، وسفيان وجميع أهل الحديث من السلف .
قال ابن عبد الأعلى رحمه الله سمعت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه يوم ناظر حفصا الفرد ، وكان من متكلمي المعتزلة يقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من علم الكلام ولقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أيضا : قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام .
(مسألة، فإن قلت: تعلم الجدل والكلام) هل هو (مذموم كعلم النجوم) وما يجرى مجراه (أو هو مباح) لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه (أو) هو (مندوب إليه؟) ما الجواب عن ذلك؟ (فاعلم أن للناس في هذا) المبحث (غلوا) أي: تجاوزا عن الحد (وإسرافا) أي: إبعادا في المجاوزة عنه (في أطراف، فمن قائل: إنه بدعة) قبيحة (وحرام) لا يحل الاشتغال به .
(وإن العبد إن لقي الله بكل ذنب سوى) وفي نسخة: "ما خلا" (الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام) ، وهو قول الشافعي، كما سيأتي سنده (ومن قائل: إنه واجب) تعلمه (وفرض، إما على الكفاية) وهو قول أكثر المتأخرين من المتكلمين (أو على الأعيان) وهو أبعد الأقوال؛ فإن الله سبحانه وتعالى لم يفرض على كل إنسان أن يكون متكلما جدليا، والقائلون بوجوبه يقولون: (إنه أفضل الأعمال) أي: الاعتقادية (وأعلى القربات) إلى الله تعالى .
(فإنه تحقيق لعلم التوحيد) الذي هو متضمن على معرفة وحدانية الله تعالى بما يليق بذاته وصفاته (ونضال) أي: دفاع (عن دين الله تعالى) برد شبه المخالفين، وإبطال براهين الزائغين، والواجب العيني في التوحيد ما يخرج المكلف من التقليد إلى التحقيق، وأقله معرفة كل عقيدة بدليل، ولو جميلا، والكفائي فيه ما يقتدر معه على تحقيق مسائله وإقامة الأدلة التفصيلية عليها، وإزالة الشبه عنها، إذ يجب كفاية على أهل كل قطر يشق الوصول منه إلى غيره أن يكون فيهم من هو متصف بذلك، ولا يخفى أن حصول ذلك متوقف على تعلم علم الكلام .
(وإلى التحريم ذهب الأئمة) الأربعة nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة و (الشافعي ومالك وأحمد بن) محمد بن (حنبل، وسفيان) الثوري وأبو يوسف (وجميع أهل الحديث من السلف) الصالحين، (قال أبو عبد الأعلى) : هكذا في النسخ، وهو nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة الصوفي أبو موسى المصري الفقيه المقري ولد سنة 170، وسمع الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة وابن وهب nindex.php?page=showalam&ids=15500والوليد بن مسلم ومنصور بن عيسى nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، واختص به، روى عنه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12119وأبو عوانة وأبو الطاهر المديني وخلق: (سمعت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول يوما وقد ناظر حفصا الفرد، وكان من متكلمي المعتزلة) قلت: حفص هذا يلقب بالفرد، تفقه على الإمام nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف، وكان من أصحابه، ثم مال إلى رأي المعتزلة، وصار يناضل عنهم حتى صار من متكلميهم، وقال الربيع: كان nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول له: حفص المنفرد، ولا يقول: الفرد: (لأن يلقى الله تعالى العبد بكل خطيئة ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام) ، روي هذا القول عن الإمام من وجوه، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في كتاب المناقب له، قال: سمعت الربيع قال: أخبرني من سمع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء، رواه غير واحد عن الربيع أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة: سمعت الربيع لما كلم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حفصا الفرد فقال حفص: القرآن مخلوق. فقال له nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: كفرت بالله العظيم. ورواه nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن الربيع: حدثني من أثق به، وكنت حاضرا في المجلس، فساقه (ولقد سمعت من حفص كلاما ما أقدر أن أحكيه) وهو قوله: إن القرآن مخلوق .
(وقال أيضا: قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15113اللالكائي من رواية عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي [ ص: 48 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: تعلم يا أبا موسى، لقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلما يقول ذلك (لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام) ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15113اللالكائي من رواية أبي نعيم عبد الملك بن محمد الجرجاني يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول -وناظره رجل من أهل العراق فخرج إلى شيء من الكلام فقال:- هذا من الكلام، دعه. قال: وسمعت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول: لأن يبتلي الله المرء بكل ذنب نهى الله عنه ما عدا الشرك به خير له من الكلام.