وشرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا ، وأقل ما يكفي في ذلك أن يكون إنسانا ، ولا يشترط كونه مكلفا ؛ إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر منع منه ، واحتسب عليه ، وإن كان قبل البلوغ ، ولا يشترط كونه مميزا ؛ إذ بينا أن المجنون لو كان يزني بمجنونة ، أو يأتي بهيمة ، منعه منه نعم من الأفعال ما لا يكون منكرا في حق المجنون ، كترك الصلاة والصوم وغيره ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل ؛ فإن ذلك أيضا مما يختلف فيه المقيم والمسافر والمريض والصحيح ، وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي بها يتهيأ توجه أصل الإنكار عليه ، لا ما بها يتهيأ للتفاصيل ، فإن قلت : فاكتف بكونه حيوانا ، ولا تشترط كونه إنسانا ؛ فإن البهيمة لو كانت تفسد زرعا لإنسان لكنا نمنعها منه ، كما نمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها ؛ إذ الحسبة عبارة عن المنع عن منكر لحق الله ؛ صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر ومنع المجنون عن الزنا وإتيان البهيمة لحق الله ، وكذا منع الصبي عن شرب الخمر والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين ، أحدهما : حق الله تعالى ; فإن فعله معصية والثاني : حق المتلف عليه ، فهما علتان تنفصل إحداهما عن الأخرى فلو قطع طرف غيره بإذنه ، فقد وجدت المعصية وسقط حق المجني عليه بإذنه فتثبت الحسبة ، والمنع بإحدى العلتين ، والبهيمة إذا أتلفت فقد عدمت المعصية ، ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين ولكن فيه دقيقة ، وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة ، بل حفظ مال المسلم إذ البهيمة لو أكلت ميتة أو شربت من إناء فيه خمر أو ماء مشوب بخمر لم نمنعها منه ، بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف والميتات ولكن مال المسلم إذا تعرض للضياع وقدرنا على حفظه بغير تعب وجب ذلك علينا ؛ حفظا للمال ، بل لو وقعت جرة لإنسان من علو وتحتها قارورة لغيره فتدفع الجرة؛ لحفظ القارورة لا لمنع الجرة من السقوط فإنا لا نقصد منع الجرة وحراستها من أن تصير كاسرة للقارورة ، ونمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة وشرب الخمر ، وكذا الصبي ، لا صيانة للبهيمة المأتية أو الخمر المشروب ، بل صيانة للمجنون عن شرب الخمر، وتنزيها له من حيث إنه إنسان محترم ، فهذه لطائف دقيقة لا يتفطن لها إلا المحققون ؛ فلا ينبغي أن يغفل عنها ثم فيما يجب تنزيه الصبي والمجنون عنه نظر ؛ إذ قد يتردد في منعهما من لبس الحرير وغير ذلك ، وسنتعرض لما نشير إليه في الباب الثالث فإن قلت : فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان فهل يجب عليه إخراجها وكل من رأى مالا لمسلم أشرف على الضياع هل يجب عليه حفظه فإن قلتم : إن ذلك واجب ؛ فهذا تكليف شطط يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخرا لغيره طول عمره ، وإن قلتم : لا يجب؛ فلم يجب الاحتساب على من يغصب مال غيره ، وليس له سبب سوى مراعاة مال الغير؟ فنقول: هذا بحث دقيق غامض ، والقول الوجيز فيه أن نقول : مهما قدر على حفظه من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه ، أو خسران في ماله ، أو نقصان جاهه وجب عليه ذلك ، فذلك القدر واجب في حقوق المسلم بل هو أقل درجات الحقوق ، والأدلة الموجبة لحقوق المسلمين كثيرة ، وهذا أقل درجاتها ، وهو أولى بالإيجاب من رد السلام فإن الأذى في هذا أكثر من الأذى في ترك رد السلام بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم وكان عند الشهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه ، وجب عليه ذلك وعصى بكتمان الشهادة ، ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع لا ضرر على الدافع فيه فأما إن كان عليه تعب أو ضرر في مال أو جاه لم يلزمه ذلك؛ لأن حقه مرعي في منفعة بدنه، وفي ماله وجاهه، كحق غيره، فلا يلزمه أن يفدي غيره بنفسه، نعم، الإيثار مستحب وتجشم المصاعب لأجل المسلمين قربة فأما إيجابها فلا، فإذا إن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع لم يلزمه السعي في ذلك ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نوم أو بإعلامه يلزمه؛ فإهمال تعريفه وتنبيهه كإهماله تعريف القاضي بالشهادة ، وذلك لا رخصة فيه ولا يمكن أن يراعى فيه الأقل والأكثر حتى يقال : إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم إلا قدر درهم مثلا ، وصاحب الزرع يفوته مال كثير فيترجح جانبه؛ لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه، كما يستحق صاحب الألف حفظ الألف ولا ، سبيل للمصير إلا ذلك فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغصب ، أو قتل عبد مملوك للغير ، فهذا يجب المنع منه ، وإن كان فيه تعب ما لأن المقصود حق الشرع ، والغرض دفع المعصية ، وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي ، والمعاصي كلها في تركها تعب وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس وهي غاية التعب ثم لا يلزمه احتمال كل ضرر ، بل التفصيل فيه كما ذكرناه من درجات المحذورات التي يخافها المحتسب، وقد اختلف الفقهاء في مسألتين تقربان من غرضنا، إحداهما أن الالتقاط هل هو واجب واللقطة ضائعة .
والملتقط مانع من الضياع وساع في الحفظ والحق فيه عندنا أن يفصل ويقال : إن كانت اللقطة في موضع لو تركها فيه لم تضع ، بل يلتقطها من يعرفها ، أو تترك كما لو كان في مسجد أو رباط يتعين من يدخله ، وكلهم أمناء ، فلا يلزمه الالتقاط ، وإن كانت في مضيعة .
نظر ، فإن كان عليه تعب في حفظها ، كما لو كانت بهيمة وتحتاج إلى علف وإصطبل فلا يلزمه ذلك ؛ لأنه إنما يجب الالتقاط لحق المالك ، وحقه بسبب كونه إنسانا محترما ، والملتقط أيضا إنسان ، وله حق في أن لا يتعب لأجل غيره ، كما لا يتعب غيره لأجله فإن كانت ذهبا أو ثوبا أو شيئا لا ضرر عليه فيه إلا مجرد تعب التعريف فهذا ينبغي أن يكون في محل الوجهين ، فقائل يقول : التعريف والقيام بشرطه فيه تعب؛ فلا سبيل إلى إلزامه ذلك إلا أن يتبرع فيلتزم طبقا للثواب ، وقائل يقول : إن هذا القدر من التعب مستصغر بالإضافة إلى مراعاة حقوق المسلمين فينزل هذا منزلة تعب الشاهد في حضور مجلس الحكم ؛ فإنه لا يلزمه السفر إلى بلدة أخرى إلا أن يتبرع به فإذا كان مجلس القاضي في جواره لزمه الحضور ، وكان التعب بهذه الخطوات لا يعد تعبا في غرض إقامة الشهادة وأداء الأمانة ، وإن كان في الطرف الآخر من البلد وأحوج إلى الحضور في الهاجرة وشدة الحر فهذا قد يقع في محل الاجتهاد والنظر فإن الضرر الذي ينال الساعي في حفظ حق الغير له طرف في القلة لا يشك في أنه لا يبالي به ، وطرف في الكثرة لا يشك في أنه لا يلزم احتماله ، ووسط يتجاذبه الطرفان ، ويكون أبدا في محل الشبهة والنظر ، وهي من الشبهات المزمنة .
التي ليس في مقدور البشر إزالتها ؛ إذ لا علة تفرق بين أجزائها المتقاربة ، ولكن المتقي ينظر فيها لنفسه ، ويدع ما يريبه إلا ما لا يريبه .
(وشرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا، وأقل ما يكفي في ذلك أن يكون إنسانا، ولا يشترط كونه مكلفا؛ إذ بينا آنفا أن الصبي إذا شرب الخمر منع منه، واحتسب عليه، وإن كان قبل البلوغ، ولا يشترط كونه مميزا؛ إذ بينا كذلك أن المجنون لو كان يزني بمجنونة، أو يأتي بهيمة، لوجب منعه من ذلك) ؛ لأنه في الجملة منكر في حق كل من الصبي والمجنون، ولو لم يميز، ولم يعقل (نعم من الأفعال ما لا يكون منكرا في حق المجنون، كترك الصلاة والصوم وغيره، ولكن لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل؛ فإن ذلك أيضا مما يختلف فيه المقيم والمسافر والمريض والصحيح، وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي بها توجه أصل الإنكار عليه، لا ما بها يتهيأ للتفاصيل، فإن قلت: فاكتف بكونه حيوانا، ولا تشترط كونه إنسانا؛ فإن البهيمة لو كانت تفسد زرعا لإنسان لكنا نمنعها منه، كما نمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة) فيعد ذلك أيضا من المحتسب عليه، (فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه له؛ إذ الحسبة عبارة عن المنع من منكر لحق الله؛ صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر) وملابسته، (ومنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة لحق الله، وكذا منع الصبي عن شرب الخمر) إنما هو رعاية لحق الله، (والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين، أحدهما: حق الله تعالى; فإن فعله معصية) إذ قد نهي عن إتلاف مال الغير، (والثاني: حق المتلف عليه، فهما علتان) مستقلتان (تنفصل إحداهما عن الأخرى) أي: قد توجد إحداهما، ولا توجد الأخرى (فلو قطع طرف غيره بإذنه، فقد وجدت المعصية) وهي مخالفة أمر الله تعالى، (وسقط حق المجني عليه بإذنه) أي: بسبب إذنه (فيثبت الحسبة، والمنع بإحدى العلتين، والبهيمة إذا أتلفت) زرع الغير (فقد عدمت المعصية، ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين) وهو إتلاف مال الغير، (ولكن فيه دقيقة، وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة، بل) نقصد (حفظ مال المسلم) وهو أكيد (إذ البهيمة لو أكلت منه أو شربت من إناء فيه خمر أو ماء مشوب بخمر لم نمنعها منه، بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف والميتات) ولا محذور فيه، (ولكن مال المسلم إذا تعرض للضياع وقدرنا على حفظه من غير تعب) ولا مشقة ظاهرة (وجب ذلك علينا؛ حفظا للمال، بل لو وقعت جرة لإنسان من علو وتحته) أي: العلو (قارورة) زجاج (لغيره فندفع الجرة؛ لحفظ القارورة) ؛ لأنه مال مسلم (لا لمنع الجرة من السقوط؛ لأنا لا نقصد منع الجرة وحراستها من أن تصير كاسرة للقارورة، ونمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة وشرب الخمر، وكذا الصبي، لا صيانة للبهيمة المأتية) أي: التي فعل بها (أو الخمر المشروب، بل صيانة للمجنون عن شرب الخمر، وتنزيها له من حيث هو إنسان محترم، فهذه لطائف دقيقة) المدرك (لا يتفطن لها إلا المحققون؛ فلا ينبغي أن يغفل عنها) ؛ فإنها من المهمات (ثم فيما يجب تنزيه الصبي والمجنون عنه نظر؛ [ ص: 40 ] إذ قد يتردد في منعهما من لبس الحرير، وفي غير ذلك، وسنتعرض لما نشير إليه في الباب الثالث) قريبا إن شاء الله تعالى، (فإن قلت: فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان) فرعته، (فهل يجب عليه إخراجها) من ذلك الزرع؟ (وكل من رأى مالا لمسلم أشرف على الضياع) والتلف (هل يجب عليه حفظه) أم لا؟ (فإن قلتم: إن ذلك واجب؛ فهذا تكليف شطط) وجور (يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخرا لغيره) أي: مذللا (طول عمره، وإن قلتم: لا يجب؛ فلم يجب الاحتساب على من يغصب مال غيره، وليس له سبب سوى مراعاة مال الغير) وحفظه، (فنقول) في الجواب: (هذا بحث دقيق غامض، والقول الوجيز) أي: المختصر (فيه أن نقول: مهما قدر) الإنسان (على حفظه من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه، أو خسران في ماله، أو نقص في جاهه) بسبب كلام الناس فيه (وجب عليه ذلك، فذلك القدر واجب في حقوق المسلم) وفي نسخة: "في حقوق المسلمين"، بعضهم على بعض (بل هو أقل درجات الحقوق، والأدلة الموجبة لحقوق المسلم) على المسلم (كثيرة، وهذا أقل درجاتها، وهو أولى بالإيجاب من رد السلام؛ لأن الأذى في هذا أكثر من الأذى في ترك رد السلام) إذ تترتب عليه فائدة تفضي إلى أخيه المسلم، (بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم) بأن غضبه أو أنكره (وكان عنده شهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه، وجب عليه ذلك) أي: أداء الشهادة، (وعصى بكتمان الشهادة، ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع) عن مال أخيه، بحيث (لا ضرر على الدافع فيه) ولا تعب (فأما إن كان عليه تعب، وضرر في مال أو جاه لم يكن يلزمه ذلك؛ لأن حقه مرعي في منفعة بدنه، وفي ماله وجاهه، كحق غيره، فلا يلزمه أن يفدي غيره بنفسه، نعم، الإيثار مستحب) أثنى الله عليه في كتابه، (وتجشم المصاعب) أي: تحمل المشقات (لأجل المسلمين قربة) إلى الله تعالى، (فأما إيجابها فلا، فإذا إن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع لم يلزمه) السعي في ذلك؛ إذ لم يكلف الله نفسا إلا وسعها، (ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع) من نومه (وهو نائم) أو بإعلامه وهو غافل (يلزمه ذلك؛ فإهمال تعريفه بالتنبيه) أو الإعلام (كإهماله تعريف القاضي بالشهادة، وذلك لا رخصة فيه) بل يأثم تاركها (ولا يمكن أن يرعى فيه الأقل والأكثر حتى يقال: إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم) من الزرع (إلا قدر درهم مثلا، وصاحب الزرع يفوته مال كثير) إن أبقيت تلك البهائم، (فيرجح جانبه؛ لأن الدرهم الذي هو له يستحق حفظه، كما يستحق صاحب الألف حفظ الألف، لا سبيل للمصير إلى ذلك فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغصب، أو قتل عبد مملوك للغير، فهذا يجب المنع، وإن كان فيه تعب ما) أي: نوع تعب؛ (لأن المقصود) الذي يتعب لحصوله (حق الشرع، والغرض دفع المعصية، وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي) مهما استطاع (كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي، والمعاصي كلها) من حيث هي هي (في تركها تعب) ومشقة ومخالفة الهوى والنفس، (وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس) وهي الأصل الأصيل (وهي غاية التعب) ؛ لأنه في مخالفته إياها [ ص: 41 ] كالمجاهد للعدو (ثم لا يلزمه احتمال كل ضرر، بل التفصيل كما ذكرناه من درجات المحذورات التي يخالفها المحتسب، وقد اختلف الفقهاء في مسألتين تقربان من غرضنا، إحداهما أن الالتقاط هل هو واجب واللقطة ضائعة) وهي كرطبة، اسم الذي يجده ملقى فيأخذه .
قال الأزهري: وهذا قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين. وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث: هي بالسكون. ولم أسمعه لغيره، واقتصر ابن فارس والفارابي على فتح القاف، ومنهم من يعد السكون من لحن العوام (والملتقط مانع) لها (من الضياع) والتلف، (وساع في الحفظ) لها على صاحبها (والحق فيه عندنا أن يفصل ويقال: إن كانت اللقطة في موضع لو تركها فيه لم تضع، بل يلتقطها من يعرفها، أو تترك كما لو كان في مسجد أو رباط) للصوفية (يتعين من يدخله، وكلهم أمناء، فلا يلزمه الالتقاط، وإن كان في مضيعة) مفعلة، وهي المفازة المنقطعة، وقال ابن جني: هو الموضع الذي يضيع فيه الإنسان، قال الشاعر:
وهو مقيم بدار مضيعة شعاره في أموره الكسل
ومنه يقال: ضاع، يضيع، ضياعا، إذا هلك، وفيه لغة أخرى، وهي مضيعة، على وزن معيشة (نظر، فإن كان عليه تعب في حفظها، كما لو كانت بهيمة وتحتاج إلى علف وإصطبل) وحبال تربط بها (فلا يلزمه ذلك؛ لأنه إنما يجب الالتقاط لحق المالك، وحقه بسبب كونه إنسانا محترما، والملتقط أيضا إنسان، وله حق في ألا يتعب لأجل غيره، كما لا يتعب غيره لأجله، وإن كان) الملتقط (ذهبا) في كيس أو في طرف منديل (أو ثوبا) مرميا (أو شيئا لا ضرر عليه فيه إلا مجرد تعب التعريف) سنة، (فهذا ينبغي أن يكون في محل الوجهين، فقائل يقول: التعريف والقيام بشرطه) على ما هو مذكور في محله (سنة، تعب؛ فلا سبيل إلى إلزامه ذلك إلا أن يتبرع) من عند نفسه (فيلتزم طالبا للثواب، وقائل يقول: إن هذا القدر من التعب مستصغر) أي: قليل (بالإضافة إلى مراعاة حقوق المسلمين) ؛ فإنها مؤكدة (فينزل هذا منزلة تعب الشاهد في حضور مجلس الحكم؛ فإنه لا يلزمه السفر إلى بلدة أخرى) لأجل أداء الشهادة؛ لما فيه من المشقة (إلا أن يتبرع بذلك) وفي نسخة: "إلا إن تبرع به" (وإذا كان مجلس القاضي في جداره) أو قريبا منه (لزمه، وكان التعب بهذه الخطوات لا يعد تعبا في غرض إقامة الشهادة وأداء الأمانة، وإن كان في الطرف الآخر من البلد) وكان البلد متسعا (وأحوج إليه في الهاجرة) أي: وسط النهار، (وعند شدة الحر) بدون الهاجرة، وذلك في البلاد التي يشتد فيها الحر، كالحجاز واليمن والحبشة (فهذا قد يقع في محل الاجتهاد والنظر) فإن كان في البلاد الباردة وطلب منه المشي إلى آخر البلد يلزمه؛ لعدم التعب، وإن أحوج إليه في وقت نزول الثلج والبرد الكثير أو المطر الكثير، أو كان الطريق فيها وحل كثير، لم يلزمه، وينظر مع ذلك إن كان الشاهد راكبا على دابة ولم يحصل له التعب، يلزمه، (فإذا الضرر الذي ينال الساعي في حفظ حق الغير له طرف في القلة لا يشك في أنه لا يبالي به، وطرف في الكثرة لا يشك في أنه لا يلزم احتماله، ووسط يتجاذبه الطرفان، ويكون أبدا في محل الشبهة والنظر، وهي من الشبهات المزمنة) وهي التي دام اشتباهها زمانا طويلا .
يقال: مرض مزمن، وهو الدائم الملازم الذي أعيت عنه الأطباء (التي ليس في مقدور البشر إزالتها؛ إذ لا علة تفرق بين أجزائها المتقاربة، ولكن المتقي ينظر فيها لنفسه، ويدع ما يريبه) أي: يوقعه في الريبة (إلى ما لا يريبه) ؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=664812دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
(فهذا نهاية الكشف عن هذا الأصل) ولم يذكر المصنف المسألة الثانية التي تقرب من الغرض .