الدرجة الثانية : التعريف ؛ فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله وإذا عرف أنه منكر تركه ، كالسوادي يصلي ولا يحسن الركوع والسجود ، فيعلم أن ذلك لجهله بأن هذه ليست بصلاة ، ولو رضي بأن لا يكون مصليا لترك أصل الصلاة ، فيجب تعريفه باللطف من غير عنف وذلك لأن ضمن التعريف نسبة إلى الجهل والحمق والتجهيل إيذاء ، وقلما يرضى الإنسان بأن ينسب إلى الجهل بالأمور؛ لا سيما بالشرع، ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف يغضب إذا نبه على الخطأ والجهل وكيف يجتهد في مجاحدة الحق بعد معرفته خيفة من أن تنكشف عورة جهله والطباع أحرص على ستر عورة الجهل منها على ستر العورة الحقيقية لأن الجهل قبح في صورة النفس ، وسواد في وجهه ، وصاحبه ملوم عليه ، وقبح السوأتين يرجع إلى صورة البدن ، والنفس أشرف من البدن وقبحها أشد من قبح البدن، ثم هو غير ملوم عليه ؛ لأنه خلقة لم يدخل تحت اختياره حصوله، ولا في اختياره إزالته وتحسينه ، والجهل قبح يمكن إزالته وتبديله بحسن العلم ؛ فلذلك يعظم تألم الإنسان بظهور جهله ويعظم ابتهاجه في نفسه بعلمه ، ثم لذته عند ظهور جمال علمه لغيره وإذا كان التعريف كشفا للعورة مؤذيا للقلب ، فلا بد وأن يعالج دفع أذاه بلطف الرفق فنقول له إن الإنسان لا يولد عالما ولقد كنا أيضا جاهلين بأمور الصلاة ، فعلمنا العلماء ولعل قريتك خالية عن أهل العلم ، أو عالمها مقصر في شرح الصلاة وإيضاحها ، إنما شرط الصلاة الطمأنينة في الركوع والسجود وهكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء ؛ فإن إيذاء المسلم حرام محذور ، كما أن تقريره على المنكر محذور ، وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم ، أو بالبول ومن اجتنب محذور السكوت على المنكر، واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه، فقد غسل الدم بالبول علي بالتحقيق ، وأما إذا وقفت على خطأ في غير أمر الدين فلا ينبغي أن ترده عليه؛ فإنه يستفيد منك علما ويصير لك عدوا إلا إذا علمت أنه يغتنم العلم وذلك عزيز جدا .
(الدرجة الثانية: التعريف؛ فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله) أي: بسبب جهله، (وإذا عرف أنه منكر تركه، كالسوادي) أي: المنسوب إلى سواد البلد، أي: ربعه، والمراد الفلاح (يصلي ولا يحسن الركوع والسجود، فيعلم أن ذلك لجهله بأن هذا ليس بصلاة، ولو رضي بألا يكون مصليا لترك أصل الصلاة، فيجب تعريفه باللطف) واللين (من غير عنف) وزجر، (وذلك لأن ضمن التعريف -نسبة إلى الجهل والحمق والتجهيل- إيذاء، وقلما يرضى الإنسان أن ينسب إلى الجهل بالأمور؛ لا سيما بالشرع، ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف يغضب إذا نبه على الخطإ والجهل) ، ويتغير مزاجه، (وكيف يجتهد في مجاحدة الحق) أي: مناكرته بعد معرفته (خيفة أن تنكشف عورة جهله) بين الناس، (والطباع أحرص على ستر عورة الجهل منها على ستر العورة الحقيقية) وهي السوأتان؛ (لأن الجهل قبح في صورة النفس، وسواد في وجهه، وصاحبه ملوم عليه، وقبح السوأتين يرجع إلى صورة البدن، والنفس أشرف من البدن) إذ هو كالمطية للنفس (وقبحها أشد من قبح البدن، ثم هو غير ملوم؛ لأنه خلقه، ولم يدخل) وفي بعض النسخ: "لأن خلقه لم يدخل" (تحت اختياره حصوله، ولا تحت اختياره إزالته وتحسينه، والجهل قبح يمكن إزالته وتبديله بحسن العلم؛ فلذلك [ ص: 43 ] يعظم تألم الإنسان بظهور جهله) ، ويكثر تأسفه وتندمه (ويعظم ابتهاجه في نفسه بعلمه، ثم لذته عند ظهور جمال علمه لغيره) لا سيما إذا انتفع به، (وإذا كان التعريف كشفا للعورة) الباطنة (مؤذيا للقلب، فلا بد وأن يعالج دفع أذاه بلطف الرفق) الحسبة ولين الكلام، (فنقول) له في تعريفه: (إن الإنسان لا يولد عالما) ، وإنما العلم بالتعلم (ولقد كنا أيضا) مثلك (جاهلين بأمور الصلاة، فعلمنا العلماء) ، وأرشدونا (ولعل قريتك خالية من أهل العلم، أو عالمها مقصر في شرح الصلاة وإيضاحها، إنما شرط الصلاة الطمأنينة في الركوع والسجود) ، وعدم الالتفات والعبث بالشيء، (فهكذا يتلطف به ليحصل التعريف) له (من غير إيذاء؛ فإن إيذاء المسلم حرام محذور، كما أن تقريره على المنكر محذور، وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم، أو بالبول) ، وإنما يغسل بما يطهره، كالماء، (ومن اجتنب محذور السكوت على المنكر، واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه، فقد غسل الدم بالبول على التحقيق، وأما إذا وقعت على خطإ) منه (في غير أمر الدين فلا ينبغي أن ترده عليه؛ فإنه يستفيد منك علما، أو يصير لك عدوا) بردك عليه (إلا إذا علمت أنه يغتنم العلم) ولا يحقد في باطنه عداوة لك (وذلك عزيز جدا) .