ومنها أن يكون الخطيب لابسا لثوب أسود يغلب عليه الإبريسم أو ممسكا لسيف مذهب فهو فاسق ، والإنكار عليه واجب ، وأما مجرد السواد فليس بمكروه ، ولكنه ليس بمحبوب إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض.
ومن قال إنه مكروه وبدعة أراد به أنه لم يكن معهودا في العصر الأول ولكن إذا لم يرد فيه نهي فلا ينبغي أن يسمى بدعة ومكروها ، ولكنه ترك للأحب .
فالقاص إن كان يكذب في أخباره فهو فاسق والإنكار عليه واجب وكذا الواعظ المبتدع يجب منعه ولا يجوز حضور مجلسه إلا على قصد إظهار الرد عليه إما للكافة إن قدر عليه أو لبعض الحاضرين حواليه فإن لم يقدر فلا يجوز سماع البدعة .
قال الله تعالى لنبيه فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، ومهما كان كلامه مائلا إلى الإرجاء ، وتجرئة الناس على المعاصي وكان الناس يزدادون بكلامه جراءة وبعفو الله وبرحمته وثوقا يزيد بسببه رجاؤهم على خوفهم فهو منكر ويجب منعه عنه لأن فساد ذلك عظيم بل لو رجح خوفهم على رجائهم ، فذلك أليق وأقرب بطباع الخلق ، فإنهم إلى الخوف أحوج وإنما العدل تعديل الخوف والرجاء ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه لو نادى مناد يوم القيامة ليدخل النار كل الناس إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل ، ولو نادى مناد ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا ذلك الرجل.
ومهما كان الواعظ شابا متزينا للنساء في ثيابه وهيئته كثير الأشعار والإشارات والحركات وقد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه فإن الفساد فيه أكثر من الصلاح ويتبين ذلك منه بقرائن أحواله بل لا ينبغي أن يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع وهيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين ، وإلا فلا يزداد الناس به إلا تماديا في الضلال .
(ومن المكروهات أيضا تكثير الأذان مرة بعد أخرى بعد طلوع الصبح في مسجد واحد في أوقات متعاقبة متقاربة إما من واحد أو جماعة، فإنه لا فائدة فيه إذا لم يبق في المسجد نائم، ولم يكن الصوت مما يخرج عن المسجد حتى ينتبه غيره) ، ولا أخال ذلك معمولا به في غالب الأقطار، ولعل ذلك كان موجودا في زمان المصنف في ديار خراسان، (فكل ذلك من المكروهات المخالفة لسنة الصحابة والسلف، ومنها أن يكون الخطيب لابسا لثوب أسود يغلب عليه الإبريسم) وهو الحرير الخام (أو ممسكا) بيده (لسيف مذهب فهو فاسق، والإنكار عليه واجب، وأما مجرد) لبس (السواد فليس بمكروه، ولكنه ليس بمحبوب إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض) كما ورد به الخبر، (ومن قال إنه مكروه وبدعة أراد به أنه لم يكن معهودا في العصر الأول) ، بل الذي أحدث لبس السواد أبو مسلم الخراساني في دولة المنصور (ولكنه إذا لم يرد فيه نهي فلا ينبغي أن يسمى بدعة ومكروها، ولكنه ترك للأحب ومنها) أي ومن منكرات المساجد (كلام القصاص والوعاظ الذين يمزجون بكلامهم البدعة) مما ليس في سيرة السلف (فالقاص إن كان يكذب في أخباره) للحاضرين، (فهو فسق والإنكار عليه واجب) لئلا يعتمد على ما يذكره، (وكذا الواعظ المبتدع يجب منعه ولا يجب حضور مجلسه إلا على قصد إظهار الرد عليه) في بدعته (إما للكافة) أي جميع من حضر المجلس (إن قدر عليه أو ) ممن يقرب منه، (فإن لم يقدر فلا يجوز سماع البدعة) ، ولا إقرارها (قال الله تعالى لنبيه) صلى الله عليه وسلم: (فأعرض عنهم) أي عن المشركين، وكانوا يخوضون في الشرك (حتى يخوضوا في حديث غيره، ومهما كان كلامه مائلا إلى الإرجاء، وتجرئة الناس على المعاصي) أي حملهم على ارتكابها، (وكان الناس يزدادون بكلامه جراءة) وإقداما، (وبعفو الله ورحمته وثوقا) واعتمادا (يزيد بسببه رجاؤهم على خوفهم فهو منكر ويجب منعه عنه لأن فساد ذلك عظيم) خصوصا للعامة الذين لم يستحكموا عقائدهم، (بل لو رجح خوفهم على رجائهم، فذلك أليق وأقرب بطباع الخلق، فإنهم إلى الخوف أحوج) من الرجاء، (وإنما العدل تعديل الخوف والرجاء، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه) فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في مناقبه (لو نادى مناد يوم القيامة ليدخل النار كل الناس إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل، ولو نادى مناد ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا ذلك الرجل) نقل صاحب القوت، (ومهما كان الواعظ شابا متزينا للنساء في ثيابه وهيئته) بأن يكحل عينيه ويمشط لحيته، ويصقل خديه وهو مع ذلك (كثير الأشعار) المناسبة للمجلس، (والإشارات) بعينه (والحركات) يمينا وشمالا، (وقد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه فإن الفساد فيه أكثر من الصلاح) ، فإن الشيطان يجد إذ ذاك سبيلا لوضع فخوخه ومصايده، (ويبين ذلك منه بقرائن أحواله بل [ ص: 55 ] لا ينبغي أن يسلم الوعظ) على العامة (إلا لمن ظاهره الورع وهيئاته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين، وإلا فلا يزداد الناس به إلا تماديا في الضلال) ، واستطالة في الشهوات .