كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا في علو منصبه قال ابن عامر رأيته يرمي الجمرة على ناقة شهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وكان يركب الحمار موكفا عليه قطيفة وكان مع ذلك يستردف وكان يعود المريض ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك ويخصف النعل ويرقع الثوب وكان يصنع في بيته مع أهله في حاجتهم وكان أصحابه لا يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك وكان يمر على الصبيان فيسلم عليهم وأتي صلى الله عليه وسلم برجل فأرعد من هيبته فقال له : هون عليك ، فلست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد وكان يجلس بين أصحابه مختلطا بهم ، كأنه أحدهم فيأتي الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل عنه حتى طلبوا إليه أن يجلس مجلسا يعرفه الغريب فبنوا له دكانا من طين فكان يجلس عليه وقالت له nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها كل جعلني الله فداك متكئا فإنه أهون عليك ، قال فأصغى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض ، ثم قال : بل آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد وكان لا يأكل على خوان ولا في سكرجة حتى لحق بالله تعالى وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلا قال لبيك وكان إذا جلس مع الناس إن تكلموا في معنى الآخرة أخذ معهم وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم ، وإن تكلموا في الدنيا تحدث معهم رفقا بهم وتواضعا لهم وكانوا يتناشدون الشعر بين يديه أحيانا ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية ويضحكون فيتبسم هو إذا ضحكوا ولا يزجرهم إلا عن حرام .
[ ص: 142 ] (كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا على علو منصبه) قال العراقي : روى أبو الحسن بن الضحاك في الشمائل ، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، في حديث طويل في صفته قال فيه : تواضع في غير مذلة ، (قال ابن عامر ) ، كذا في النسخ الصحيحة ، ووقع في بعضها nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو غلط ، (رأيته) صلى الله عليه وسلم (يرمي الجمرة) ، أي : جمرة العقبة (على ناقة صهباء لا طرد ولا ضرب ولا إليك إليك) قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث قدامة بن عبد الله بن عمار ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حسن صحيح .
وفي كتاب nindex.php?page=showalam&ids=11868أبي الشيخ قدامة بن عبد الله بن عامر ، كما ذكره المصنف اهـ .
قلت : تقدم هذا الحديث في الكتاب الذي قبله ، من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن أيمن بن نائل نزيل عسقلان ، عن قدامة ، وكذا من رواية البهلول عن أيمن بن نائل في قصة الرشيد وهو قدامة بن عبد الله بن عمار بن معاوية العامري الكلابي ، له صحبة ، وله أحاديث ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12757ابن السكن : كان يسكن بنجد ، ولم يهاجر ، لقي النبي صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن أيمن بن نائل هذا الحديث ، ونسبه فيه إلى جده ، فقال قدامة بن عمار ، وبه يظهر أن المصنف تبع نسخة nindex.php?page=showalam&ids=11868أبي الشيخ في قوله ابن عامر .
(وكان) صلى الله عليه وسلم (يركب الحمار موكفا) ، أي مشدودا عليه بالإكاف ، (عليه قطيفة) وهي دثار له خمل ، (وكان مع ذلك يستردف) رواه الشيخان ، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، وتارة يركبه عريا ، ليس عليه شيء ، كما رواه ابن سعد من حديث حمزة بن عبد الله بن عتبة مرسلا ، وهذا يدل على غاية التواضع ، ونهاية الخضوع .
وفي لفظ العبد "إلى أي حاجة دعاه إليها قرب محلها أو بعد " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصحح إسناده من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، وتقدم مقطعا ، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم ، nindex.php?page=hadith&LINKID=67912كان يردف خلفه ويضع طعامه على الأرض ، ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار .
(وكان أصحابه) صلى الله عليه وسلم (لا يقومون له) إذا أقبل عليهم ، (لما عرفوا من كراهته لذلك) ، أي لأجل المعلوم المستقر عندهم ، وهو كراهته تواضعا وشفقة عليهم ، وإسقاطا لبعض حقوقه المعينة عليهم فاختاروا إرادته على إرادتهم ، ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار : nindex.php?page=hadith&LINKID=653812 "قوموا لسيدكم " أي nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ؛ لأن هذا حق للغير ، فأعطاه صلى الله عليه وسلم له وأمرهم بفعله ، بخلاف قيامهم له صلى الله عليه وسلم ، فإنه حق لنفسه فتركه تواضعا .
قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، وتقدم في آداب الصحبة ، قلت : لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في الشمائل ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك .
(وأتي النبي صلى الله عليه وسلم - برجل فأرعد من هيبته) ، أي انتفض جسمه ، من مهابته صلى الله عليه وسلم عند وقوع بصره عليه ، إذ قد تقدم من وصفه أنه من رآه بديهة هابه . (فقال : هون عليك ، فلست بملك) كملوك الأرض يهاب منهم . (إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل من القديد) ، وهو اللحم اليابس ، وكانت قريش تقدد اللحم ، وترفعه لوقت الحاجة .
قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث جرير ، وقال صحيح على شرط الشيخين .
(وكان) صلى الله عليه وسلم (يجلس بين أصحابه) حالة كونه (مختلطا بهم ، كأنه أحدهم فيأتي الغريب) من الخارج ، (فلا يدري أيهم هو) صلى الله عليه وسلم ، (حتى يسأل عنه) فكان يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=650061 "أيكم ابن عبد المطلب ، أو أيكم رسول الله ، فكانوا يقولون : هذا الأبيض المتكئ " ، (حتى طلبوا إليه أن يجلس مجلسا) مرتفعا (يعرفه الغريب) فسكت صلى الله عليه [ ص: 143 ] وسلم موافقا لما رأوه ، (فبنوا له دكانا من طين فكان يجلس عليه) في المصباح الدكان يطلق على الحانوت ، وعلى الدكة التي يقعد عليها قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : إذا مالت النخلة بنى تحتها من قبل الميل بناء كالدكان فتمسكها بإذن الله تعالى ، أي : دكة مرتفعة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14868الفارابي الطلل ما شخص من آثار الدار ، كالدكان ، ونحوه ، وأما وزنه ، فقال السرقسطي : النون زائدة عند nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وكذلك قال الأخفش ، وهي مأخوذة من قولهم : أكمة دكاء أي منبسطة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12854ابن القطاع وجماعة ، هي أصلية مأخوذة من دكنت المتاع إذ نضدته ووزنه على الزيادة فعلان ، وعلى الأصالة فعال حكى القولين الأزهري وغيره فإن جعلت الدكان بمعنى الحانوت ففيه التذكير والتأنيث ، ووقع في كلام المصنف في كتب الفروع حانوت ، أو دكان فاعترض بعضهم عليه ، وقال الصواب : حذف إحدى اللفظتين ، فإن الحانوت هي الدكان ، ولا وجه لهذا الاعتراض ؛ لما تقدم ، من أن الدكان يطلق على الحانوت ، وعلى الدكة ، والله أعلم .
قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر وقد تقدم .
(وقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها) لرسول الله (كل جعلني الله فداءك متكئا فإنه أهون عليك ، قال فأصغى برأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض ، ثم قال : بل آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ) ، قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عنها بسند ضعيف .
قلت : ورواه أيضا ابن سعد في الطبقات nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى نحوه ، وهذا أورده على منهج التربية لأمته ، فإنه المربي الأكبر ، فإخباره عن نفسه بذلك في ضمنه الإرشاد لهم إلى مثل ذلك الفعل ، وأما هو في حد ذاته فيخالف جميع العباد ، في العبادة والعادة تمكن للأكل أو لم يتمكن إذ لو لم يكن مستحضرا المرائي ربه من إقباله في سائر حالاته ، لما حسن منه هذا القول .
(وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يأكل على خوان) بالكسر ويضم : هو المائدة ما لم يكن عليها طعام ، وهو مما يعتاد بعض المتكبرين والمترفهين الأكل عليه احترازا عن خفض رءوسهم فالأكل عليه بدعة إلا أنها جائزة (ولا في سكرجة) بضم أحرفه الثلاث مع تشديد الراء وقيل الصواب فتح رائه ؛ لأنه معرب عن مفتوحها وهي إناء صغير يجعل فيه ما يشهى ويهضم من الموائد حول الأطعمة (حتى لحق بالله عز وجل) قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث وتقدم في آداب الأكل .
قلت : ورواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في الشمائل .
(وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلا قال لبيك) قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الدلائل من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وفيه حسن بن علوان ، متهم بالكذب nindex.php?page=showalam&ids=14687وللطبراني في الكبير بإسناد جيد ، من حديث محمد بن طالب ، في أثناء حديث أن أمه قالت : يا رسول الله ، فقال : يا لبيك وسعديك ، الحديث اهـ .
قلت : لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12181أبي نعيم في الدلائل ما كان أحسن خلقا منه ما دعاه أحد من أصحابه ، إلا قال لبيك ، وقد أخرج حديث محمد بن حاطب أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13889والبغوي ، وفيه أن أمه قالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=707039 "يا رسول الله ، هذا محمد بن حاطب ، وهو أول من سمي بك " الحديث ، وليس في سياقه ما زاده nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني .
(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا جلس مع الناس إن تكلموا في معنى الآخرة أخذ معهم) أي في الحديث (وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم ، وإن تكلموا في الدنيا تحدث معهم رفقا بهم وتواضعا لهم) ، قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في الشمائل ، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، دون ذكر الشراب ، وفيه سليمان بن خارجة تفرد عنه الوليد بن أبي الوليد ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات .