ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه ، وقالوا ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر .
(وقد اتفق أهل الحديث) من السلف الصالحين (على هذا) الذي ذكر من ذم علم الكلام والنهي عن الاشتغال به، وأجمعوا عليه (ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات) والتهديدات (فيه، وقالوا) مستدلين بأن (ما سكت عنه الصحابة) رضوان الله عليهم (مع أنهم أعرف بالحقائق) اللغوية والشرعية (وأفصح بترتيب الألفاظ) بعضها مع بعض (من غيرهم) ممن أتى بعدهم (إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر) فمن ذلك ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15113اللالكائي في "السنة" من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، أخبرنا عبد الله بن محمد بن زياد، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=687908 "ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم". أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد. وأخرج من رواية أبي العوام عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم قال: صاحب بدعة يدعو إلى بدعته .
(ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- nindex.php?page=hadith&LINKID=675915هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، ثلاث مرات) هكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في القدر، من صحيحه، قال: "قال ذلك ثلاثا"، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في القدر أيضا، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود في السنة، وليس عندهما ذكره "ثلاث مرات"، كلهم عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود -رضي الله عنه- رفعه (أي: المتعمقون) المتقعرون (في البحث والاستقصاء) ، يقال: تنطع الرجل إذا تنطس في عمله، قال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في "الفائق": أراد النهي عن التمادي والتلاحي في القراءات المختلفة، وإن مرجعها إلى واحد من الحسن والصواب. اهـ .
وقال النووي: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم. اهـ .
وقال غيره: المراد بالحديث الغالبون في خوضهم فيما لا يعنيهم، وقيل: المتعنتون في السؤال من عويص المسائل التي يندر وقوعها، وقيل: المبالغون في العبادة بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة .
وقال الحافظ ابن حجر: قال بعض الأئمة: التحقيق أن البحث عما لا يوجد فيه نص قسمان: أحدهما: أن يبحث في دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها، فهذا مطلوب، لا مكروه، بل ربما كان فرضا على من تعين عليه، الثاني: أن يدقق النظر في وجوه الفروق، فيفرق بين المتماثلين بفرق، ولا أثر له في الشرع مع وجود وصف الجمع، أو بالعكس بأن يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا، فهذا الذي ذمه السلف وعابه، وعليه ينطبق خبر: nindex.php?page=hadith&LINKID=944372 "هلك المتنطعون"، فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهي نادرة الوقوع، فيصرف فيها زمنا كان يصرفه في غيرها أولى، سيما إن لزم منه إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه .
وأشد منه البحث عن أمور معينة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، ومنها ما يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن الساعة والروح، ومدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف، وأكثر ذلك لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به بغير بحث .