وأما الفرقة الأخرى فاحتجوا بأن قالوا إن المحذور من الكلام إن كان هو لفظ الجوهر والعرض وهذه الاصطلاحات الغريبة التي لم تعهدها الصحابة رضي الله عنهم فالأمر فيه قريب إذا ما من علم إلا وقد أحدث فيه اصطلاحات لأجل التفهيم كالحديث والتفسير والفقه ولو عرض عليهم عبارة النقض والكسر والتركيب والتعدية وفساد الوضع إلى جميع الأسئلة التي تورد على القياس لما كانوا يفقهونه .
فإحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح كإحداث آنية على هيئة جديدة لاستعمالها في مباح وإن كان المحذور هو المعنى فنحن لا نعني به إلا معرفة الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق وصفاته ، كما جاء في الشرع ، فمن أين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل ؟ وإن كان المحذور هو التشعب والتعصب والعداوة والبغضاء وما يفضي إليه الكلام فذلك محرم ويجب الاحتراز عنه .
(وأما الفرقة الأخرى) القائلون بوجوب الاشتغال به (احتجوا بأن المحذور) أي: الممنوع (من الكلام) وما يتعلق به (إن كان هو في لفظ الجوهر والعرض) والهيولى والماهية والتحيز (وهذه الاصطلاحات الغريبة) كالموضوع والمحمول، وهذا مركب من الشكل الفلاني، والملازمة ممنوعة، والصغرى والكبرى والمقدمة والنتيجة (التي لم يعهدها الصحابة) رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم بإحسان (فالأمر قريب) أي: سهل (إذ ما من علم إلا وقد أحدث فيه اصطلاحات لأجل التفهيم) والتعليم (كالحديث والتفسير والفقه) وأصول كل من ذلك (فلو عرض عليهم عبارة النقض والكسر والتركيب والتعديد وفساد الوضع) وما أشبه ذلك (لما كانوا يفهمونه) إذ لم يعهدوا ذلك ولا ألفوه .
(فإحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح) لا ينكر (كإحداث آنية على هيئة جديدة) لم تسبق؛ (لاستعمالها في مباح) شرعي (وإن كان المحذور هو المعنى) المقصود لذاته (فنحن لا نعني به إلا معرفة الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق جل وعز و) معرفة (صفاته، كما جاء به الشرع، فمن أين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل؟) بل هو مطلوب بهذا الوجه (وإن كان المحذور هو التشعب) أي: المخاصمة ورفع الأصوات (والتعصب) في ذلك (والعداوة والبغضاء وما يفضي إليه الكلام) من إلزام مذهب الخصم وتكثير الآراء الوهمية فيه (فذلك محرم) اتفاقا، لا نقول بجوازه في حال من الأحوال، بل (يجب الاحتراز منه) والاجتناب عنه .