فأما انفتاح باب القلب إلى الاقتباس من الحواس فلا يخفى عليك وأما انفتاح بابه الداخل إلى عالم الملكوت ومطالعة اللوح المحفوظ فتعلمه علما يقينيا بالتأمل في عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون في المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحواس وإنما ينفتح ذلك الباب لمن انفرد بذكر الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم : سبق المفردون قيل : ومن هم المفردون يا رسول الله ? قال المتنزهون بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم أوزارهم فوردوا القيامة خفافا ثم قال في وصفهم إخبارا عن الله تعالى فقال ثم : أقبل بوجهي عليهم أترى من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه ، ثم قال تعالى : أول ما أعطيهم أن أقذف النور في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم .
(فأما انفتاح باب القلب إلى الاقتباس من الحواس فلا يخفى عليك) فإن غالب العلوم كذلك، (وأما انفتاح بابه الداخل إلى عالم الملكوت ومطالعته اللوح المحفوظ فتعلمه علما يقينا بالتأمل في عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون في المستقبل أو كان في غير الماضي من غير اقتباس) في ذلك (من جهة الحواس) الظاهرة (وإنما ينفتح ذلك الباب لمن أفرد ذكر الله تعالى ، قال النبي: صلى الله عليه وسلم: سبق المفردون) روي بتشديد الراء وتخفيفها ، والتخفيف هو الذي جنح إليه الحكيم nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي كما سيأتي كلامه وإياه تبع المصنف ، وقال النووي في الأذكار: والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد اهـ .
وقال الحافظ: والراء مفتوحة وقيل: مكسورة ، يقال: فرد الرجل مشددا ومخففا، وتفرد وأفرد، الكل بمعنى اهـ .
وقال غيره: فرد بالشديد: إذا اعتزل وتخلى للعبادة ، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله تعالى ، والمعنى : سبقوا بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى (قيل: ومن هم؟ قال) : هم (المستهترون بذكر الله) وفي رواية: المستهرون في ذكر الله ، وعلى الأول فالمراد الذين أولعوا به، يقال: اهتر بفلان واستهتر فهو مستهتر أي: مولع به ، ولا يتحدث بغيره ولا يفعل سواه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي : المستهر: هو الذي نطق من ربه يشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله؛ لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبر وتؤدة ، وهذا المهتر إنما نطقه كأنما يجري على لسانه حتى يشبه الهذيان في بعض الأحيان عند العامة ، وهو في الباطن مع الله من الأصفياء الناطقين اهـ .
(وضع الذكر) عنهم (أوزارهم) أي: أثقالهم من ذنوبهم التي أثقلتهم (فوردوا القيامة خفافا) فيسبقون؛ لأنهم جعلوا أنفسهم أفرادا ممتازة بذكر الله عمن لم يذكر الله أو جعلوا ربهم فردا بالذكر وتركوا ذكر ما سواه وهو حقيقة التفريد ههنا0 ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي : المفرد هنا من أفرد قلبه للواحد في وحدانيته ولازم الباب حتى رفع له الحجاب وأوصله إلى قربه ، فكان بين يدي ربه، وعبارة القوت: فأما العارفون المواجهون بعين اليقين المكاشفون بعلم الصديقين فإنهم مسيرون محمولون سابقون مستهرون ، وقد وضعت الأذكار عنهم الأوزار كما جاء في الخبر: nindex.php?page=hadith&LINKID=661842سيروا سبق المفردون أيضا بالفتح، فهم مفردون لله تعالى بما أفردهم الله عز وجل ، قيل: من المفردون؟ قال: المستهترون بذكر الله وضع الذكر عنهم أوزارهم فوردوا القيامة خفافا ، فلما أفردهم ممن سواهم له أفردوه عما سواه به تعالى بذكرهم ، فاستولى عليهم ذكره فاصطلم قلوبهم نوره تعالى ، فاندرج ذكرهم في ذكره ، وكان هو الذاكر بهم وكانوا هم المكان لمجاري قدرته فلا يوزن مقدار هذا الذكر، ولا تكتب كيفية هذا البر ، فلو وضعت السماوات والأرض في كفة لرجح ذكره تعالى بهما، (ثم قال) -صلى الله عليه وسلم- (في وصفهم: أقبل عليهم بوجهي أترى من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه، ثم قال: أول ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم) ولفظ القوت: : وهم الذين قال لهم: فترى من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه لو كانت السماوات والأرضون في موازينهم لاستقللتها بهم، أول ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم ، فيخبرون عني كما أخبر عنهم ، قال: هذا هو ظاهر أوصافهم وأول عطائهم اهـ .
[ ص: 254 ] خفافا ، وقال: حديث حسن غريب . ورواه هكذا nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في المعجم الكبير من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء دون الزيادة التي ذكرها المصنف في آخره وكلاهما ضعيف اهـ .
قلت: رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن أمية بن بسطام ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15899روح بن القاسم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14806العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- nindex.php?page=hadith&LINKID=661842كان يسير في طريق مكة ، فمر على جبل يقال له: جمدان فقال: هذا جمدان ، سيروا ، سبق المفردون. قالوا : يا رسول الله، وما المفردون؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في مسنده ، nindex.php?page=showalam&ids=14906والفريابي في كتاب الذكر والتسبيح، كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=14113الحسن بن سفيان عن أمية بن بسطام ، وأخرجه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده ، ولفظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : " nindex.php?page=hadith&LINKID=665890سبق المفردون ، وقالوا: وما المفردون؟ قال: هم المستهترون في ذكر الله ، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا." وسنده ضعيف لضعف شيخه عبد الله بن سعيد ابن أبي مريم قال الهيثمي: وقال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه في مسنده: حدثنا إسحاق بن سليمان ، سمعت موسى بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الله القراظ عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنا نسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرق من جمدان، فقال: يا معاذ ، أين السابقون؟ فقلت: مضوا وتخلف أناس ، فقال: إن السابقين الذين يهترون بذكر الله عز وجل ، من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله. وموسى ضعيف، لكن يقوى بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة السابق ذكره .
(تنبيه)
قال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي: وإنما قالوا: وما المفردون؟ ولم يقولوا: من هم؛ لأنهم أرادوا تفسير اللفظ وبيان ما هو المراد منه لا تعيين المتصفين به ، وتعريف أشخاصهم، فسأل في الجواب عن بيان اللفظ إلى حقيقة ما يقتضيه توفيقا للسائل بالبيان المعنوي على المعنى اللغوي إيجازا فاكتفي فيه بالإشارة المعنوية إلى ما استبهم عليه من الكناية اللفظية اهـ .