الفائدة السادسة : دفع النوم ودوام السهر ، فإن من شبع شرب كثيرا ومن كثر شربه كثر نومه ولأجل ذلك كان بعض الشيوخ يقول عند حضور الطعام : معاشر المريدين ، لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا ، فترقدوا كثيرا ، فتخسروا كثيرا وأجمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة الشرب وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع ، وقساوة القلب والعمر أنفس الجواهر وهو رأس مال العبد ، فيه يتجر والنوم موت فتكثيره ينقص العمر ثم فضيلة التهجد لا تخفى وفي النوم فواتها ومهما غلب النوم فإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة ثم المتعزب إذا نام على الشبع احتلم ، ويمنعه ذلك أيضا من التهجد ، ويحوجه إلى الغسل إما بالماء البارد ، فيتأذى به ، أو يحتاج إلى الحمام ، وربما لا يقدر عليه بالليل فيفوته الوتر إن كان قد أخره إلى التهجد ، ثم يحتاج إلى مؤنة الحمام وربما تقع عينه على عورة في دخول الحمام ، فإن فيه أخطارا ذكرناها في كتاب الطهارة ، وكل ذلك أثر الشبع ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني الاحتلام عقوبة وإنما قال ذلك لأنه يمنع من عبادات كثيرة لتعذر الغسل في كل حال ، فالنوم منبع الآفات ، والشبع مجلبة له والجوع مقطعة له .
[ ص: 398 ] ( الفائدة السادسة: دفع النوم ودوام السهر ، فإن من شبع) من الطعام (شرب كثيرا) ، فإن حرارة الطعام في المعدة تستدعي ذلك، (ومن كثر شربه) ارتخت عروقه، (وكثر نومه) ، وخمدت أعضاؤه، (ولأجل ذلك كان بعض الشيوخ يقول عند حضور الطعام: معاشر المريدين، لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا، فترقدوا كثيرا، فتخسروا كثيرا) ، ولفظ القوت: وقيل: كان شباب في بني إسرائيل يتعبدون، وكانوا إذا حضر عشاؤهم قام فيهم عالمهم، فقال: يا معشر المريدين.. إلخ، (وأجمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة الشرب) نقله صاحب القوت، (وفي كثرة النوم ضياع العمر) .
قال بعض الناس لفيلسوف من الحكماء: صف لي شيئا أستعمله حتى أكون أنام النهار. فقال: يا هذا، ما أضعف عقلك! إن نصف عمرك نوم، والنوم من الموت، تريد أن تجعل ثلاثة أرباعه نوما، وربعه حياة؟ قال: وكيف؟ قال: أنت إذا عشت أربعين سنة فإنما هي عشرون سنة، أفتريد أن تجعلها عشر سنين؟ (و) في كثرة النوم (فوت التهجد) ، وهو صلاة آخر الليل، (وبلادة الطبع، وقساوة القلب) ، وطول الغفلة، ونقصان الفطنة، وفي هذه الأشياء الفوت، وفي الفوت الحسرة بعد الموت، (والعمر أنفس الجواهر) ، وأغلاها (وهو رأس مال العبد، فيه يتجر) وبه يربح، (والنوم موت) مجازي، (فتكثيره ينقص العمر) ، كما تقدم ذلك من قول الحكيم، (ثم فضيلة التهجد لا تخفى) قد أثنى الله على المتهجدين في كتابه، ووردت به الأخبار والآثار على ما تقدم في كتاب ترتيب الأوراد، (وفي النوم فواتها) أي: تلك الفضيلة، (ومهما غلب النوم فإن) وفقه الله للقيم (وتهجد لم يجد حلاوة العبادة) لما عنده من شواغل الغلبة، (ثم المتعزب) من المريدين، (إذا نام على الشبع احتلم، ويمنعه ذلك أيضا من التهجد، ويحوجه إلى الغسل بالماء البارد، فيتأذى به، فلا يجد حلاوة العبادة أيضا، أو يحتاج إلى الحمام، وربما لا يقدر عليه بالليل) ، فإنه ما يفتحونه إلا قرب الفجر، (فيفوته الوتر إن كان قد أخره إلى التهجد، ثم يحتاج إلى مؤنة الحمام) أي: كلفته، وربما لا يوجد عنده من أجرته، (وربما تقع عينه على عورة من دخل الحمام، فإن فيه أخطارا كثيرة ذكرناها في كتاب الطهارة، وكل ذلك أثر الشبع، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني ) رحمه الله تعالى: (الاحتلام عقوبة) نقله صاحب القوت، (وإنما قال ذلك لأنه يمنع من عبادات كثيرة) ، ويعيق عنها؛ (لتعذر الغسل في كل حال، فالنوم) إذا (منبع الآفات، والشبع مجلبة له) ، أي: يحمله على الجلب له، (والجوع مقطعة له) أي: يحمله على قطعه .