اعلم أن المريد في ابتداء أمره ينبغي أن لا يشغل نفسه بالتزويج؛ فإن ذلك شغل شاغل يمنعه من السلوك ويستجره إلى الأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله تعالى شغل عن الله ولا يغرنه كثرة نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا عن الله تعالى فلا تقاس الملائكة بالحدادين ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني من تزوج فقد ركن إلى الدنيا وقال ما رأيت مريدا تزوج فثبت على حاله الأول وقيل له مرة : ما أحوجك إلى امرأة تأنس بها ! فقال : لا آنسني الله بها أي إن ، الأنس بها يمنع الأنس بالله تعالى وقال أيضا : كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد ، فهو عليك مشئوم فكيف يقاس غير رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وقد كان استغراقه بحب الله تعالى بحيث كان يجد احتراقه فيه إلى حد كان يخشى منه في بعض الأحوال أن يسري ذلك إلى قالبه فيهدمه فلذلك كان يضرب بيده على فخذ nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أحيانا ويقول : كلميني يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . لتشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه ؛ لقصور طاقة قالبه عنه فقد كان طبعه الأنس بالله عز وجل وكان أنسه بالخلق عارضا رفقا ببدنه ، ثم إنه كان لا يطيق الصبر مع الخلق إذا جالسهم .
فإذا ضاق صدره قال : أرحنا بها يا nindex.php?page=showalam&ids=115بلال حتى يعود إلى ما هو قرة عينه فالضعيف إذا لاحظ أحواله في مثل هذه الأمور فهو مغرور ; لأن الأفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله صلى الله عليه وسلم .
(اعلم) وفقك الله تعالى (أن المريد في ابتداء أمره) في سلوكه، (لا ينبغي أن يشغل قلبه ونفسه بالتزويج؛ فإن ذلك شغل شاغل يمنعه من السلوك، ويستجره إلى الأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله تعالى شغل عن الله تعالى ) .
وقال صاحب القوت: الأفضل للمريد في زماننا هذا ترك التزويج إذا أمن الفتنة، وعود العصمة، ولم تنازعه نفسه إلى معصية، ولم يرادف خاطر النساء على قلبه حتى يشتت همه أو يقطعه عن حسن الإقبال على الخدمة من مسامرة الفكر ومحادثة النفس بأمر النساء، ولم تجمح نفسه إلى محظور، وكثرة الخواطر بالشهوات يغير القلب من الخشوع، ويدخل عليه النقصان، فمتى لم يبتل العبد بهذه الوساوس، فإن التخلي أفضل؛ لمعان محمودة; لأنه يجد لذة الوحدة وحلاوة المعاملة، ويقبل على نفسه، ويشتغل بحاله، فلا يهتم بحال غيره، فيحمل حاله على حاله فيقصر، أو يقوم بحكم نفس أخرى فيعجز ويعالج شيطانا آخر مع شيطانه وتنضم نفس أخرى إلى نفسه، وله في مجاهدة نفسه ومصابرة هواه وعدوه أكبر الإشغال، (ولا يغرنه كثرة نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا عن الله تعالى) ؛ لاشتغاله بمطالعة جمال مولاه، (فلا تقاس الملائكة بالحدادين) ، هم الذين يشتغلون بعمل الحديد، فهم بذلك في غاية القذارة، أو المراد بهم البوابون، من الحد، بمعنى المنع، فهم يمنعون الداخل في البيت، (ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني ) رحمه الله تعالى: (من تزوج) ، أو سافر، أو طلب الحديث، (فقد ركن إلى الدنيا) ، أورده صاحب القوت، وقد تقدم في كتاب العلم، وإنما قال ذلك لأن هذه الأمور مما توجب الركون إلى الدنيا لا محالة .
(وقال) أيضا: (ما رأيت مريدا تزوج فثبت على حاله الأول) ، وكأنه يريد إذا كان في ابتداء سلوكه، فإنه ينقطع حينئذ عن مجاهدة النفس، وقد ضمت إليه نفس أخرى، فيشتغل بها، فلا يكاد يثبت على أدل حاله الذي شرع فيه، (وقيل له مرة: ما أحوجك إلى امرأة تأنس بها! فقال: لا آنسني الله بها، إن الأنس بها يمنع الأنس بالله تعالى) أي: لا يتفق الأنسان في قلب واحد، إما الأنس بالله، وإما أنس بالزوجة، (وقال أيضا: كل ما شغلك عن الله تعالى من أهل ومال وولد، فهو عليك مشؤوم) .
[ ص: 433 ] وقال أيضا: إنما تركوا التزويج لتتفرغ قلوبهم إلى الآخرة، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رحمه الله تعالى: "إذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله بأهل ولا مال" .
قال أحمد بن أبي الحواري صاحب أبي سليمان : معنى الحديث: أن يكون له، ولا يشغلونه، لا ألا يكون له، (فكيف يقاس غير رسول الله صلى الله عليه وسلم به، وقد كان استغراقه بحب الله تعالى بحيث كان يجد احتراقه فيه إلى حد كان يخشى منه في بعض الأحوال) والأحيان، (أن يسري ذلك) من قلبه، (إلى قالبه فيهدمه) أي: يغيره عن صحته، (فلذلك كان يضرب بيده على فخذ nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ) رضي الله تعالى عنها (أحيانا ويقول: كلميني يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . لتشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه؛ لقصور طاقة قالبه) قال العراقي : لم أجد له أصلا، (فقد كان طبعه) صلى الله عليه وسلم (الأنس بالله عز وجل) دائما، (وكان أنسه بالخلق عارضا) لاحقا (رفقا ببدنه، ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (كان لا يطيق الصبر مع الخلق إذا جالسهم، فإذا ضاق صدره قال: أرحنا يا nindex.php?page=showalam&ids=115بلال ) ، يعني: بإقامة الصلاة، وقد تقدم ذكر هذا الحديث في كتاب الصلاة، (حتى يعود إلى ما هو قرة عينه) ، يشير إلى قوله: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وقد تقدم الكلام عليه أيضا، (فالضعيف إذا لاحظ أحواله في مثل هذه الأمور فهو مغرور; لأن الأفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله صلى الله عليه وسلم) ، فلا ينبغي أن يقيس أحواله بأحواله، ولا أفعاله بأفعاله، ولا يوقع نفسه في الغرور فيهلك .