فشرط المريد العزبة في الابتداء إلى أن يقوى في المعرفة هذا إذا لم تغلبه الشهوة ، فإن غلبته الشهوة فليكسرها بالجوع الطويل والصوم الدائم فإن لم تنقمع الشهوة بذلك ، وكان بحيث لا يقدر على حفظ العين مثلا وإن قدر على حفظ الفرج فالنجاح ، له أولى ؛ لتسكن الشهوة وإلا فمهما لم يحفظ عينه لم يحفظ عليه فكره .
( فشرط المريد العزبة في الابتداء ) ؛ ليجتمع له مع مجاهدة نفسه الأنس بالله عز وجل وحده، (إلا أن يقوى في المعرفة) ، ويتفرغ قلبه لله تعالى، فيكون ذا أدب ساكن، وقلب خائف، ونفس مطمئنة، فإذا تزوج حينئذ فلا يشغله عن الله تعالى، (هذا إذا لم تغلبه الشهوة، فإن غلبته فليكسرها بالجوع الطويل) ، بأن يتجاوز عن ميعاد أكله، فلا يأكل إلا بعد يومين، أو بعد ثلاث، (والصوم الدائم) خصوصا في الهواجر، (فإن لم تنقمع الشهوة بذلك، وكان بحيث لا يقدر على حفظ العين مثلا إن قدر على حفظ الفرج، فالنكاح له أولى؛ لتسكن الشهوة) ، وإلا أوقعته في الخطايا، (وإلا فمهما لم يحفظ عينه لم ينحفظ عليه فكره، ويتفرق عليه همه) ، ويتشتت باله، (وربما وقع في بلية لا يطيقها) بمقتضى عجز البشرية، ( وزنا العين من كبائر الصغائر ، وهي تؤدي على القرب إلى الكبيرة الفاحشة، وهي زنا الفرج) ، وأول خطايا الفرج شهوة القلب بمسامرة الفكر، وهو معفو، كما أن النظر الأول معفو، والخطيئة الثانية إنعاظ الفرج عن شهوة القلب، فهذا عمل، فإن ظهرت الشهوة من الفرج فهي معصية، (ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ دينه) ; لأن أصل البلاء كله من النظر، (وقال عيسى عليه السلام: "إياكم والنظرة؛ فإنها تزرع في القلب شهوة، وكفى بها فتنة". وقال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ) رحمه الله تعالى: (إنما جاءت الفتنة لداود عليه السلام من قبل النظرة) ؛ فإنه لما رأى أورياء وجمالها أعجبته وافتتن بها، (ولذلك قال لابنه) سليمان (عليه السلام: "يا بني، امش خلف الأسد والأسود) من الحيات (ولا تمش خلف امرأة". وقيل ليحيى) بن زكريا (عليه السلام: ما بدء الزنا؟ قال: النظر والتمني) ، فالنظر من العين، والتمني من القلب، والفرج يصدق أو يكذب .
(وقال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=661931 "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" ) قال العراقي : متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد . اهـ. قلت: ورواه كذلك [ ص: 434 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14171والحميدي ، nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي والعوفي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، nindex.php?page=showalam&ids=13433وابن قانع ، كلهم عن nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أيضا، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في الكنى عنه، وعن nindex.php?page=showalam&ids=85سعيد بن زيد معا، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12938ابن النجار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي ، وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني : nindex.php?page=hadith&LINKID=661931 "ما تركت في الناس بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : سنده صحيح، ورواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار ، وقد أورد المصنف هذا الحديث إشارة إلى أن أصل زنا الفرج العينان ، فإنهما له رائدان وإليه داعيان، وقد قالوا: من سرح ناظره أتعب خاطره، ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت أوقاته، قال الشاعر:
نظر العيون إلى العيون هو الذي جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا
(وقالت أم سلمة) أم المؤمنين ابنة أبي أمية بن المغيرة المخزومية رضي الله عنها، قيل: اسمها هند، وأبوها يعرف بزاد الركب، من أشراف قريش ، وأجوادهم، هاجرت إلى الحبشة مع أبي سلمة بن عبد الأسد : (استأذن nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم ) ، وهو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي العامري ، مختلف في اسمه، (على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا وميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنهما، (جالستان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجبا) أي: ادخلا في الحجاب، (قلنا: أوليس بأعمى لا يبصرنا؟ فقال: وأنتما لا تبصرانه؟) قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقال: حسن صحيح .
(وهذا يدل على أنه لا يجوز للنساء مجالسة العميان، كما جرت به العادة في المآتم والولائم) ، أي: في أوقات المصائب والأفراح، (فيحرم على الأعمى الخلوة بالنساء) الأجانب، صرح بذلك غير واحد من العلماء، (ويحرم على المرأة مجالسة الأعمى وتحديق النظر إليه لغير حاجة) ضرورية، فإنه على كل حال أجنبي وفيه ما في الرجال وأكثر; لأن غض البصر عن المحارم مما يورث قوة على الجماع، وهؤلاء قد حجبت أبصارهم عن الرؤية، فرجعت قوتها إلى الجماع، فلهم فيه حظ أكثر من الذي يبصر، فحينئذ فتنة النساء بهم أكثر، فيجب منعهن عن الخلوة بهم ومحادثتهم؛ فإنهم أشد ضررا من إبليس، ومن المشهور قول العامة: ما من فتنة تكون في بيت الإنسان إذا حقق أصلها إما من امرأة أو فقيه أعمى .