وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به فأما من جعل نفسه مسخرة وربما فرح من أن يسخر به كانت السخرية في حقه من جملة المزاح وقد سبق ما يذم منه ، وما يمدح ، وإنما المحرم استصغار يتأذى به المستهزأ به ؛ لما .
فيه من التحقير والتهاون ، وذلك تارة بأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه ، ولم ينتظم أو على أفعاله إذا كانت مشوشة كالضحك على خطه وعلى صنعته أو على صورته وخلقته إذا كان قصيرا أو ناقصا لعيب من العيوب فالضحك من جميع ذلك داخل في السخرية المنهي عنها .
(الآفة الحادية عشرة)
( السخرية والاستهزاء ، وهذا محرم مهما كان مؤذيا، قال الله تعالى) في الزجر عنه: ( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ) ، تمامه: ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : أي: لا يستهزئ قوم من قوم، إن يكن رجلا فقيرا أو غنيا، وإن تفضل رجل عليه فلا يستهزئ به . أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ، وقال مقاتل : هذه الآية نزلت في قوم من بني تميم استهزؤوا من nindex.php?page=showalam&ids=115بلال وسلمان nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار ، nindex.php?page=showalam&ids=211وخباب ، nindex.php?page=showalam&ids=52وصهيب وابن مغيرة ، nindex.php?page=showalam&ids=267وسالم مولى أبي حذيفة . أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، ( ومعنى السخرية : الاستحقار، والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه) على الملإ، (وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء) ، وهو بجميع أنواعه حرام؛ لأنه إيذاء، (و) لكن (فيه معنى الغيبة، قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ) رضي الله عنها: (حكيت إنسانا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=676155ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا ) ، قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وصححه، قلت: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن nindex.php?page=showalam&ids=16598علي بن الجعد ، أخبرنا سفيان بن سعيد عن علي بن الأقمر ، عن أبي حذيفة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت.. فذكره، (وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ) رضي الله عنه (في قوله) تعالى: ( يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك ) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن محمد بن عمران بن أبي ليلى ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .. فذكره، (وهو إشارة إلى أن الضحك على الناس من) جملة (الجرائم والذنوب) ، وفي بعض النسخ: من جملة الذنوب الكبائر، (وعند عبد الله بن زمعة) بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي، ابن أخت أم سلمة، أحد الأشراف، كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، استشهد يوم الدار مع عثمان ، روى له الجماعة، وعنه nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة وأبو بكر بن عبد الرحمن ( nindex.php?page=hadith&LINKID=654561أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فوعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: علام يضحك أحدكم مما يفعل ) قال العراقي : متفق عليه، قلت: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا ، عن الحسين بن الحسن ، حدثنا أبو أسامة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم.. فذكره .
(وقال صلى الله عليه وسلم: إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال) له: (هلم هلم) ، أي: تعال، تعال. والقائل لذلك بعض الملائكة، (فيجيء) ذلك المستهزئ، (بكربه وغمه) مما أصابه من هول الموقف والحساب، (فإذا أتاه أغلق دونه) ذلك الباب، ومنعه من الدخول منه، (ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلم هلم. فيجيء بكربه وغمه، فإذا أتاه أغلق دونه، فما يزال كذلك حتى إن الرجل يفتح له الباب، فيقال: هلم هلم. فلا يأتيه) قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في الصمت، من حديث الحسن مرسلا، ورويناه في ثمانيات النجيب من رواية أبي هدبة ، أحد [ ص: 504 ] الهالكين، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس . اهـ .
قلت: قال nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا : حدثني عبد الله بن أبي بدر ، أنبأنا nindex.php?page=showalam&ids=15903روح بن عبادة ، عن مبارك ، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره، (وقال nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ) رضي الله عنه: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=664799من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله ) قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي دون قوله: "قد تاب منه" ، وقال: حسن غريب، وليس إسناده بمتصل، قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : قال nindex.php?page=showalam&ids=12289أحمد بن منيع : قالوا: nindex.php?page=hadith&LINKID=664799من ذنب قد تاب منه . اهـ .
قلت: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في الصمت، وفي ذم الغيبة، nindex.php?page=showalam&ids=12289وابن منيع nindex.php?page=showalam&ids=13889والبغوي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وغيرهم كلهم عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ به مرفوعا، قال nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12289أحمد بن منيع ، حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=664799قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عير أخاه بذنب". قال nindex.php?page=showalam&ids=12289ابن منيع : قال أصحابنا: "قد تاب منه، لم يمت حتى يعمله" ، ثم قال: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15795خالد بن خداش ، حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16205صالح المري ، سمعت الحسن يقول: كانوا يقولون: nindex.php?page=hadith&LINKID=664799من رمى أخاه بذنب قد تاب إلى الله منه لم يمت حتى يبتليه الله به . قال nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي : هو منقطع; لأن nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان لم يدرك nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا ، ومحمد بن الحسن بن أبي يزيد قال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود وغيره: كذاب، وأورده nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في الموضوعات؛ نظرا إلى ما ذكرنا، وفيه نظر، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من هذا الطريق، وغاية ما في الباب أنه ضعيف من جهة nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن ، وقول الحسن الذي أسنده nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا فيه nindex.php?page=showalam&ids=16205صالح المري ، وهو ضعيف أيضا، إن سلم منه فهو شاهد جيد لحديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، ونحوه: nindex.php?page=hadith&LINKID=687933 "فليجلدها الحد ولا يثرب" ، أي: لا يوبخ، ولا يقرع بالزنا بعد الجلد، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : "لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا" . nindex.php?page=showalam&ids=12508ولابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى من قوله نحوه، وعزاه nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الحجرات من الكشاف لعمرو بن شرحبيل بلفظ: "لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثلما صنع" ، nindex.php?page=showalam&ids=13933وللبيهقي : ما عاب رجل قط رجلا بعيب إلا ابتلاه الله بذلك العيب . وعن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال: إني لأرى الشيء فأكرهه، فلا يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله ، وهذه كلها شواهد لحديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، وبمجموع ذلك كيف يورد في الموضوعات، (وكل هذا يرجع إلى استحقار الغير، والضحك عليه؛ استهانة به، واستصغارا له) ، أي: استحقارا، (وعليه نبه قوله تعالى: عسى أن يكونوا خيرا منهم ، أي: لا تستحقره استصغارا) لشأنه؛ (فلعله خير منك) عند الله تعالى، (وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به) ، ولو باطنا، (فأما من جعل نفسه مسخرة) أي: محلا للسخرية يسخر به، (وربما فرح من أن يسخر به) ، ولا يتأذى بباطنه منه، (كانت السخرية به من جملة المزح) ; إذ هو مطايبة اللسان بالكلام، بحيث لا يغمه ذلك، ولا يتكدر به، فأما إذا آذى فقد خرج من حد المزاح، ولحق بالسخرية، (وقد سبق ما يذم منه، وما يحمد، وإنما المحرم) شرعا، (استصغار يتأذى به المستهزأ به؛ لما فيه من التحقير والتهاون، وذلك تارة يجري بأن يضحك على كلامه إذا تخبط) ، أي: زال عن القصد (فيه، ولم ينتظم) في نفسه، أو لم ينتظم أوله مع آخره، وفي بعض النسخ: بأن يضحك منه إذا تخبط في كلامه ولم ينتظم. (أو على أفعاله إذا كانت مشوشة) أي: مضطربة غير منتظمة، (كالضحك على خطه) إذا كان رديئا، (وعلى صنعته) إذا كانت دنية، (أو على صورته) إذا كانت قبيحة، (وخلقته) إذا كان قصيرا أو طويلا جدا، بحيث يتجاوز عن طول أمثاله، (أو ناقصا بعيب من العيوب) الظاهرة، كالعمش والعرج والأدرة، وداء الفيل، وما أشبه ذلك، (فالضحك من جميع ذلك داخل في السخرية المنهي عنها) في قوله تعالى: لا يسخر قوم من قوم ، والله الموفق .