وأما ! الكذب الصريح كما فعله نعيمان الأنصاري مع عثمان في قصة الضرير إذ قال له : إنه نعيمان وكما يعتاده الناس من ملاعبة الحمقى بتغريرهم بأن امرأة قد رغبت في تزويجك فإن كان فيه ضرر يؤدي إلى إيذاء قلب؛ فهو حرام، وإن لم يكن إلا لمطايبته فلا يوصف صاحبها بالفسق ولكن ، ينقص ذلك من درجة إيمانه .
أراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاء قلب دون محض المزاح .
ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق ما جرت به العادة في المبالغة كقوله طلبتك كذا وكذا مرة وقلت : لك كذا مائة ، مرة فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها ، بل تفهيم المبالغة فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لا ، يأثم ، وإن لم تبلغ مائة وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب .
(نعم المعاريض تباح بغرض خفيف، كتطييب قلب الغير بالمزاح ، كقوله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=911467لا تدخل العجوز الجنة ) ، وقد تقدم قريبا، (و) كقوله: ( في عين زوجك بياض ) قاله لأم أيمن ، وقد تقدم أيضا، (و) كقوله: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=676269نحملك على ولد البعير ) ، قاله لامرأة جاءته تستحمله، وقد تقدم أيضا، (وما أشبهه! فأما الكذب الصريح كما فعله نعيمان) بن عمرو (الأنصاري) رضي الله عنه (مع عثمان) بن عفان رضي الله عنه (في قصة الضرير) يعني به مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، وهو أبو المسور رضي الله عنهما، قال nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : وكان قد بلغ مئة وخمس عشرة سنة، وكان قد عمي (إذ قال له: إنه نعيمان ) فضربه حتى شجه في وجهه، وكان يصلي، وهذه القصة ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، قال: حدثني عمي عن جدي قال: كان nindex.php?page=showalam&ids=7839مخرمة بن نوفل قد بلغ مئة وخمس عشرة سنة، فقام في المسجد يريد أن يبول، فصاح به الناس: المسجد المسجد. فأخذ نعيمان بن عمرو بيده، فنحى به، ثم أجلسه في ناحية أخرى من المسجد، فقال له: بل هنا. قال: فصاح به الناس، فقال: ويحكم، فمن أتى بي إلى هذا الموضع؟ فقال: أما إن لله علي إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت. فبلغ ذلك نعيمان ، فمكث ما شاء الله، ثم أتاه يوما nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان قائم يصلي في ناحية المسجد، فقال لمخرمة : هل لك في نعيمان ؟ قال: نعم. فأخذ بيده حتى أوقفه على عثمان ، وكان إذا صلى لا يلتفت، فقال: دونك هذا نعيمان . فجمع يديه بعصاه فضرب عثمان ، فشجه، فصاحوا به، ضربت أمير المؤمنين.. فذكر بقية القصة .
قلت: ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الكنى، وأورد له هذا الحديث من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15880راشد بن سعد عنه، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في المعرفة بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=930562 "وحتى يخاف الله في مزاحه وكذبه" . وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الأوسط بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=689121 "حتى يترك الكذب في المزاحة، ويترك المراء، وإن كان صادقا" ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16598علي بن الجعد ، أنبأنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن الحكم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق، والكذب في المزاح" ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى من حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وقد تقدم الكلام عليه في آفة المراء .
(وأما قوله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=941007إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها الناس يهوي بها أبعد من الثريا ) تقدم في الآفة الثالثة مع نظائره، (أراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاء قلب دون محض المزاح) ، وقد تقدمت الإشارة إليه آنفا، (ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق) أي: ومن جنس الكذب الملحق به، ولا يوجب الفسق بسببه، (ما جرت العادة في المبالغة) في العدد، (كقوله: قلت لك كذا مئة مرة، وطلبتك مئة مرة) ، وقد يزاد في المبالغة، فيقال: خمسمئة مرة، أو ألف مرة؛ (فإنه لا يراد به تفهيم المرات بعددها، بل تفهيم المبالغة) ، بأن وقع منه ذلك الفعل مرات، (فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا) في قوله، وكذا في العشرة، (وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة، فلا يأثم، وإن لم يبلغ مئة) أو أكثر، (وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب) ، أي: خطر الوقوع فيه، وكذا الاستعارة مرتبة من هذا القسم من الكذب في المبالغة، ولكنها ليست بكذب، فإن علماء البيان قد حققوا ذلك بالبرهان، وقالوا: [ ص: 531 ] الاستعارة تفارق الكذب من وجهين; أحدهما البناء على التأويل، وثانيهما نصب الدليل من القرينة على إرادة خلاف الظاهر، نحو: رأيت أسدا في الحمام، ولكن عليك الاحتياط في مثل هذا الكلام .