(اعلم) - وفقك الله تعالى - (أنه لا حسد إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك) في الدين (بنعمة، فلك فيها [ ص: 58 ] حالتان; إحداهما: أن تكره تلك النعمة، وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمى حسدا، فالحسد حده كراهة النعمة، وحب زوالها على المنعم عليه) ، قال التاج السبكي في قواعده: اعلم أن طائفة من الفقهاء أشكلوا رد شهادة الحاسد مع قبولها من العدو على غير عدوه، ويقوي الإشكال تفسير nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي العداوة التي ترد بها الشهادة بأنها التي تبلغ حدا يتمنى هذا زوال نعمة ذاك، ويفرح بمصائبه، ويحزن لمسرته، ففسر الحسد بما فسر به العداوة، أو بأخف; لأن تمني زوال النعمة أشد من أن يهوى زوالها; إذ التمني تفعل، ويهوى فعل، والتفعل أشد، ولكني أقول في الفرق الذي يتضح به العرف بعد تسليم أن الحسد ترد به الشهادة كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: تمني زوال نعمة على مستحق لها، وربما كان معه سعي في إزالتها .
وفي الصحاح: إنه تمني زوال نعمة المحسود إليك، وعليه جرى ابن الأثير في النهاية؛ حيث قال: إن الحسد أن يرى لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه، وتكون له دونه، فاتفقوا على أن الحسد تمني زوال نعمة الغير، وشرط nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب كون الغير مستحقا، والصحاح: كون الحاسد يتمنى انقلاب النعمة إليه، فأقول: إن الحسد تمني زوال نعمة من يستحق تلك النعمة، فالحاسد يعاند المقادير الإلهية، ويطلب وضع الحق في غير موضعه، أو زواله عن موضعه، فهو عاص بهذا الاعتبار، وأما العداوة فناشئة من كراهة شخصه بسبب من الأسباب أعم من أن يكون السبب الذي كرهه لأجله مقتضيا للكراهة أم لا، ولا يكون الحامل عليه تلبيس عدوه بالنعمة، بل بمجرد تقربه منه، وذلك مما جبلت عليه بعض السريرة، فليس العدو عاصيا، ولا مراغما حقا، وإن كان العدو ذا نعمة يستحقها، فليس الحامل له على عداوته كونه مستحقا، بل إنه عدو، فإن انضم إلى العداوة سعي في زوال النعمة من المستحق أو أمر آخر، فهو معصية صرح به في الإعجاب، وبهذا ظهر أن تعريف الحسد في nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي ناقض ما قاله أهل اللغة .