استدل فيها بآيتين من كتاب الله عز جل فقال: (أما الآيات) فإنها في كتاب الله تعالى كثيرة مما يدل على فضيلته، ولكن وقع الاقتصار منها على آيتين؛ لاشتمالهما على المقصود الأعظم:
(والثانية) : قوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر) أي: تعلموا منهم، ولا يكون التعليم إلا بالسؤال ( إن كنتم لا تعلمون ) والمراد بأهل الذكر أهل العلم من كل أمة، وقيل: أهل القرآن، وقيل: أهل الكتب القديمة، أي: ممن آمن منهم، قاله السمين .
ثم إن التعلم هو تنبيه النفس لتصور المعاني، كما أن التعليم تنبيهها لتصويرها، وقد تقدم بيان ذلك .
(وأما الأخبار) الدالة على فضيلة التعلم فهي كثيرة، اقتصر منها الشيخ -رضي الله عنه- على عشرة أحاديث ما بين صحاح وحسان وضعاف وموضوعة على قول، فالأول حسن أو صحيح، والثاني صحيح، والثامن موضوع، والباقي ضعاف، كما سيأتي بيان ذلك تفصيلا .
أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء فرواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه، في أثناء حديث، وقد تقدم في الحديث الثاني من هذا الباب، وهذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي إلا أنه قال: "يبتغي به" بدل "يطلب فيه" وتقدم لفظ nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه: "يلتمس" بدل "يطلب" وقال: "سهل الله له" .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فرواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من رواية أبي معاوية، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، عن أبي صالح، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه بلفظه، إلا أن مسلما قال: "سهل الله له" وقال nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه: "به" وقال أيضا: "يلتمس" بدل "يطلب" اهـ .
ونص nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في جامعه: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17051محمود بن خداش، عن محمد بن يزيد [ ص: 95 ] الواسطي، عن عاصم بن رجاء أبي حيوة، عن قيس بن كثير، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء -رضي الله عنه- nindex.php?page=hadith&LINKID=883558أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" ثم ساق جملا مضى ذكر بعضها في أحاديث فضل العلم، ويأتي بعضها، ثم قال: كذا حدثنا محمود، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء، وهذا أصح من حديث محمود، ولا يعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم.
وفي العلل nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، عن كثير بن قيس، عن يزيد بن سمرة، وغيره من أهل العلم، عن كثير بن قيس، قال: وعاصم بن رجاء ومن فوقه إلى nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ضعفاء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار: داود بن جميل وكثير بن قيس لا يعلمان في غير هذا الحديث، ولا نعلم روى عن كثير غير داود والوليد بن مرة، ولا نعلم روى عن داود غير عاصم .
قال ابن القطان: اضطرب فيه عاصم، فعنه في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: قول عبد الله بن داود، عن عاصم، عن واقد، عن كثير بن قيس.
الثاني: قول nindex.php?page=showalam&ids=12181أبي نعيم، عن عاصم، عمن حدثه عن كثير .
والثالث: قول محمد بن يزيد الواسطي، عن عاصم، عن كثير، ولم يذكر بينهما أحدا، والمتحصل من علة هذا الخبر هو الجهل بحال راويين من رواته، والاضطراب فيه ممن لم تثبت عدالته. اهـ .
وقد مر عند nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17051محمود بن خداش، عن محمد بن يزيد، فسماه قيس بن كثير، فصار اضطرابا رابعا .
والخامس: قال في التهذيب: داود بن جميل، وقال بعضهم: الوليد بن جميل، وفي جامع العلم nindex.php?page=showalam&ids=13332لابن عبد البر من رواية ابن عياش، عن عاصم بن جميل بن قيس، ثم قال: قال حمزة بن محمد، كذا قال ابن عياش في هذا الخبر: جميل بن قيس، وقال محمد بن يزيد وغيره: عن عاصم، عن كثير بن قيس، قال: والقلب إلى ما قاله محمد بن يزيد أميل وهذا اضطراب سادس، وسابع وثامن ذكره ابن قانع في المعجم، وزعم أن كثير بن قيس صحابي، وأنه هو الراوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبعه ابن الأثير على هذا .
وقول ابن القطان: لا يعرف كثير في غير هذا الحديث يرده قول nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر: روى عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر، ومع ذلك فقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر: قال حمزة: وهو حديث حسن غريب، والتزم nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم صحته، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان رواه عن محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16300عبد الأعلى بن حماد، حدثنا عبد الله بن داود، فذكره بطوله .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي بعد إخراجه للجملة الأولى من الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: حسن، قال القسطلاني: وإنما لم يقل: صحيح لتدليس nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، لكن في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش: حدثنا أبو صالح، فانتفت تهمة تدليسه. اهـ .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك: فهو صحيح على شرطهما، رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش جماعة منهم nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة، وأبو معاوية، وابن نهي. اهـ .
وأورده nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في أول صحيحه، ولفظه: nindex.php?page=hadith&LINKID=664940 "سهل الله له طريقا إلى الجنة" والباقي مثل سياق nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، والحديث محفوظ، وله أصل، وقد تظاهر الشرع والعقل على أن الجزاء من جنس العمل، فكلما سلك طريقا يطلب فيه حياة قلبه ونجاته من الهلاك سلك الله به طريقا يحصل له ذلك .
وقال المناوي في شرح الحديث "طريقا" أي: حسية أو معنوية، وعلما نكرة ليعم كل علم شرعي وآلته، ومعنى تسهيل الطريق في الدنيا أن يوفقه للعمل الصالح، وفي الآخرة بأن يسلك به طريقا لا صعوبة فيها ولا هول، إلى أن يدخله الجنة سالما .
الحديث الثاني: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: nindex.php?page=hadith&LINKID=664976 "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب") وفي نسخة: "بما يصنع" الأجنحة جمع جناح بالفتح، وهو للطائر بمنزلة اليد للإنسان، ووضع أجنحتها عبارة عن حضورها مجلسه وتوقيره وتعظيمه، أو إعانته على بلوغ مقاصده، أو قيامهم في كيد أعدائه وكفايته شرهم، أو عن تواضعها ودعائها له، يقال للرجل المتواضع: خافض الجناح، قال السيد السمهودي: والأقرب كونه بمعنى ما ينظم هذه المعاني كلها، كما يرشد إليه الجمع بين ألفاظ الروايات، وروى النووي في بستانه بسنده إلى nindex.php?page=showalam&ids=14451زكريا الساجي: كنا نمشي في أزقة البصرة إلى بعض [ ص: 96 ] المحدثين فأسرعنا المشي، ومعنا رجل فاجر، فقال: "ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها" كالمستهزئ، فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط .
وروى محمد بن طاهر المقدسي بسنده إلى الإمام أبي داود قال: كان في أصحاب الحديث خليع سمع بحديث "إن الملائكة لتضع" إلخ، فجعل في نعله مسامير حديد، وقال: أريد أن أطأ أجنحة الملائكة، وأصابته الأكلة في رجله، وفي رواية: فشلت يداه ورجلاه، وسائر أعضائه .
قال العراقي: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه من حديث صفوان بن عسال، وهذا اللفظ nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد، وفي رواية له: nindex.php?page=hadith&LINKID=698243 "ما من خارج يخرج من بيته إلا وضعت الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع" وهو لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: "يضع" .
وأخرجه الثلاثة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء، وقالوا: "رضا لطالب العلم" ليس فيه: "بما يضع" وأخرجه الذهبي في كتاب العلم من رواية زياد بن ميمون، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بمثله. اهـ .
قلت: أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس فقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر والطيالسي nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار والديلمي، ولفظهم: "طالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها رضا بما يطلب".
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء فقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أيضا، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه.
وأما حديث صفوان فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14724الطيالسي أيضا، ولفظه: "بما يطلب" كما للمصنف .
وقرأت في إصلاح المستدرك للحافظ العراقي بخطه، وقد ساق هذا الحديث من طريق الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر، عن nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن أبي النجود، عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش، أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك قال: فقلت: جئت لأطلب العلم، قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: nindex.php?page=hadith&LINKID=698243 "ما من خارج يخرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع".
ثم قال: وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق مثله، وهو حديث صحيح، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه، عن محمد بن يحيى، عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق، مقتصرا على المرفوع منه، دون سؤال صفوان لزر عما جاء به وجوابه .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه في ثلاثة أنواع عن nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة، عن محمد بن يحيى ومحمد بن رافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق، وقال في نوع منها: وأخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق بن خزيمة بخبر غريب .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم، عن محمد بن يعقوب الأصم، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد الوهاب بن بخت، عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر، عن صفوان، قوله، غير مرفوع، وزاد في آخره: "حتى يرجع" وقال: هذا إسناد صحيح؛ فإن عبد الوهاب بن بخت من ثقات المصريين وأثباتهم، وقد احتجا به، ولم يخرجا هذا الحديث .
قال: ومدار هذا الحديث على عاصم، عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر، وله عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر شهود ثقات غير عاصم، منهم المنهال بن عمرو، وقد اتفقا عليه .
ثم رواه من رواية عارم، عن الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم، عن المنهال بن عمرو، عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش، قال: جاء رجل من مراد يقال له: صفوان بن عسال إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره مرفوعا، لكنه مرسل كما سيذكره بعد .
قال: هذا حديث رجاله محتج بهم في الصحيح، إلا أن ذكر nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فيه نوع من المزيد في متصل الأسانيد، وقال: وقد صرح nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بسماعه له من صفوان، ويحتمل أنه سمعه من nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن صفوان، ثم سمعه من صفوان، ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: وقد أوقف هذا الحديث جماعة، منهم أبو خباب الكلبي، عن nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف، عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر، ثم رواه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح، عن أبي خباب موقوفا على صفوان، والذي أسنده أحفظ، والزيادة منهم مقبولة، وهذا حديث صحيح، وقد أورد العراقي على nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في هذا السياق ثمان مؤاخذات، تركتها خوف الإطالة. والله أعلم .