وأما المروءة فنعني بها صرف المال إلى الأغنياء ، والأشراف في ضيافة ، وهدية وإعانة وما يجري مجراها ، فإن هذه لا تسمى صدقة ، بل الصدقة ما يسلم إلى المحتاج إلا أن هذا من الفوائد الدينية ; إذ به يكتسب العبد الإخوان ، والأصدقاء ، وبه يكتسب صفة السخاء ، ويلتحق بزمرة الأسخياء فلا يوصف بالجود إلا من يصطنع المعروف ويسلك سبيل المروءة والفتوة ، وهذا أيضا مما يعظم الثواب فيه ، فقد وردت أخبار كثيرة في الهدايا والضيافات وإطعام الطعام من غير اشتراط الفقر والفاقة في مصارفها .
وكيف لا وفيه منع المغتاب عن معصية الغيبة ، واحتراز عما يثور من كلامه من العداوة التي ، تحمل في المكافئة ، والانتقام على مجاوزة حدود الشريعة .
وأما الاستخدام ، فهو أن الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان لتهيئة أسبابه كثيرة ، ولو تولاها بنفسه ضاعت أوقاته وتعذر عليه سلوك سبيل الآخرة بالفكر والذكر الذي هو أعلى مقامات السالكين ومن لا مال له فيفتقر إلى أن يتولى بنفسه خدمة نفسه من شراء الطعام وطحنه وكنس البيت حتى نسخ الكتاب الذي يحتاج إليه وكل ما يتصور أن يقوم به غيرك ، ويحصل به غرضك ، فأنت متعوب إذا اشتغلت به ; إذ عليك من العلم ، والعمل ، والذكر والفكر ما لا يتصور أن يقوم به غيرك ، فتضييع الوقت في غيره خسران .
(النوع الثاني: ما يصرفه إلى الناس، وهو أربعة أقسام: الصدقة، والمروءة، ووقاية العرض، وأجرة الاستخدام .
أما الصدقة، فلا يخفى ثوابها، وأنها لتطفئ غضب الرب) كما ورد ذلك في الخبر، وفيها انفكاك من النار، وتمنع ميتة السوء، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء، وتمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء; أهونها الجذام، والبرص، وكل ذلك في الأخبار (وقد ذكرنا فضائلها) فيما تقدم من كتاب الزكاة .
(وأما المروءة) ، وقد اختلف في اشتقاقها هل هي من مرئ، أو من المرء، وعلى أي حال (فنعني بها) هنا جملة الأخلاق المستحسنة التي منها (صرف المال إلى الأغنياء، والأشراف من ضيافة، وهدية وإعانة) للأخ في مضايقه (وما يجري مجراه، فإن هذا لا يسمى صدقة، بل الصدقة ما يسلم إلى محتاج) ، وهذا يصرفه إلى غير محتاج (إلا أن هذا من الفوائد الدينية; إذ به يكتسب العبد الإخوان، والأصدقاء، وبه يكتسب صفة السخاء، ويلتحق بزمرة الأسخياء) والأجواد (فلا يتصف بالجود إلا من يصنع المعروف) مع أشراف الناس، ووجوههم (ويسلك سبيل الفتوة، والمروءة) ، ومن هنا قيل nindex.php?page=showalam&ids=33لمعاوية - رحمه الله تعالى -: ما المروءة؟ فقال: إطعام الطعام، وضرب الهام، وقيل لآخر: ما المروءة، فقال: جماعها في قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل، والإحسان الآية.
وأما الفتوة، فهي الإيثار بالدنيا على نفسه (وهذا أيضا مما يعظم الثواب فيه، فقد وردت أخبار كثيرة في الهدايا والضيافات وإطعام الطعام من غير اشتراط الفقر والفاقة في مصارفها) مما تقدم ذكر بعضها في آداب الكسب، وفي آداب الأكل، وفي آداب الصحبة، إلا أن من جاد بماله لأجل الناس كان موصوفا بالسخاء، ولكن ذلك لنفسه، ولأجل هواه، فهو موصوف بظاهر المروءة، وبمعنى الفتوة، ولا أجر له في الآخرة; لأنه عمل لأجل نفسه لا لأجل ربه، وحصل في الدنيا شطره وذكره تعويضا له من حرث الآخرة; لأن هذا حرث الدنيا، فلم يكن في الآخرة أضعافا كثيرة .
ورواه العسكري في الأمثال، nindex.php?page=showalam&ids=15007والقضاعي في مسند nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب من طريق عبد الحميد بن الحسن الهلالي، عن nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=67013ما وقى به المؤمن عرضه ، فهو له صدقة.
وأما الاستخدام، فهو أن الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان لتهيئة أسبابه كثيرة، ولو) فرض أنه (تولاها بنفسه ضاعت أوقاته) فيها (وتعذر عليه سلوك سبيل الآخرة بالفكر) في جلائل عظمة الله تعالى (والذكر الذي هو أعلى مقامات السالكين) ، وبهما يتوصلون إلى معرفة الله تعالى (ومن لا مال له فيفتقر إلى أن يتولى بنفسه خدمة نفسه من شراء الطعام) من السوق (وطبخه) ، وطحنه، وعجنه (وكنس البيت) ، وغير ذلك من اللوازم (حتى نسخ الكتاب الذي يحتاج إليه) في أمور دينه، فإنه من اللوازم الضرورية (وكل ما يتصور أن يقوم به غيرك، ويحصل به غرضك، فأنت متعوب) خاسر الحظ (إذا اشتغلت به; إذ عليك من العلم، والعمل، والفكر، والذكر ما لا يتصور أن يقوم به غيرك، فتضييع الوقت [ ص: 155 ] في غيره خسران) ، وانتقاص حظ .