وإنما السخاء عبارة عن بذل ما يحتاج إليه لمحتاج ، أو لغير محتاج ، والبذل مع الحاجة أشد .
وكما أن السخاوة قد تنتهي إلى أن يسخو الإنسان على غيره مع الحاجة فالبخل قد ينتهي إلى أن يبخل على نفسه مع الحاجة فكم من بخيل يمسك المال ، ويمرض ، فلا يتداوى ويشتهي الشهوة ، فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن ولو وجدها مجانا لأكلها .
فهذا بخيل على نفسه مع الحاجة ، وذلك يؤثر على نفسه غيره مع أنه محتاج إليه .
، فانظر ما بين الرجلين فإن الأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء ، وليس بعد الإيثار درجة في السخاء .
ونزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف ، فلم يجد عند أهله شيئا ، فدخل عليه رجل من الأنصار فذهب بالضيف إلى أهله ثم وضع ، بين يديه الطعام وأمر امرأته بإطفاء السراج وجعل يمد يده إلى الطعام كأنه يأكل ولا يأكل حتى أكل الضيف فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد عجب الله من صنيعكم الليلة إلى ضيفكم ، ونزلت : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، فالسخاء خلق من أخلاق الله تعالى .
(بيان الإيثار وفضله)
(اعلم أن السخاء والبخل كل واحد) منهما (ينقسم إلى درجات، فأرفع درجات السخاء الإيثار، وهو أن يجود بالمال) على الغير (مع الحاجة إليه، وإنما السخاء عبارة عن بذل ما لا يحتاج إليه) سواء كان (لمحتاج، أو غير محتاج، والبذل) مع وجود (الحاجة أشد) ; فلذا كان الإيثار أرفع درجاته، وهذا هو حد السخاء في المخلوق، وسيأتي الكلام عليه عند ذكره في الفصل الذي يليه .
(وكما أن السخاوة قد تنتهي إلى أن يسخو الإنسان على غيره مع الاحتياج) لما يسخو به (فالبخل قد ينتهي إلى أن يبخل على نفسه مع الحاجة) إليه (فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض، فلا يتداوى) لبخله (ويشتهي الشهوة، فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن) ، والإمساك للمال محبة فيه [ ص: 201 ] (و) قرينة ذلك أنه (لو وجدها مجانا) بغير عوض لأكلها، فدل ذلك أن الامتناع منها إنما هو لأجل البخل (فهذا يبخل على نفسه مع الحاجة، وذلك يؤثر على نفسه غيره مع أنه لا حاجة به إلى ذلك، فانظر ما بين الرجلين) من التفاوت (فإن الأخلاق عطايا) من الملك الخلاق - جل سبحانه - (يضعها الله حيث يشاء، وليس بعد الإيثار درجة في السخاء، وقد أثنى الله تعالى على الصحابة) - رضوان الله عليهم - (فقال: ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة ) ، أي: حاجة وفقر، كما سيأتي قريبا في سبب نزوله .
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما رجل) ، وفي رواية: أيما امرئ (اشتهى شهوة فرد شهوته، وآثر على نفسه غفر له) ، وفي رواية: غفر الله له .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الضعفاء، nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ في الثواب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بسند ضعيف، وقد تقدم. انتهى .
قلت: وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في الأفراد، وقد تقدم للمصنف سبب هذا الحديث، وهو ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر اشتهى سمكة طرية، وكان قد نقه من مرضه، فالتمست بالمدينة، فلم توجد، حتى وجدت بعد مدة، واشتريت بدرهم ونصف، فأشويت، وجيء بها على رغيف، فقام سائل بالباب، فقال ابن عمر للغلام: لفها برغيفها، وارفعها إليه، فأبى الغلام، فرده، وأمره بدفعها إليه، ثم جاء بها فوضعها بين يديه، وقال: كل هنيئا يا أبا عبد الرحمن، فقد أعطيته درهما، وأخذتها، فقال: لفها وادفعها إليه، ولا تأخذ منه الدرهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرئ اشتهى، وذكر الحديث .
(ونزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف، فلم يجد عند أهله شيئا، فدخل عليه رجل من الأنصار) ، وهو أبو طلحة زيد بن سهل - رضي الله عنه - (فذهب به إلى أهله، فوضع بين يديه الطعام) الذي هو قوته، وقوت صبيانه (وأمر امرأته) ، وهي nindex.php?page=showalam&ids=11088أم سليم - رضي الله عنها - (بإطفاء السراج) ، فقامت كأنها تصلح السراج، فأطفأته (وجعل يمد يده إلى الطعام كأنه يأكل) ، أي: يظهر من نفسه الأكل (ولا يأكل) إيثارا (حتى أكل الضيف الطعام) ، وبقي هو وعياله مجهودين (فلما أصبح) ، وغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبقه جبريل - عليه السلام -، فأخبره بما صنع (قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عجب الله - عز وجل - من صنيعكم الليلة إلى ضيفكم، ونزلت: ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة ) متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة.
(فالسخاء خلق من أخلاق الله تعالى) ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم، والديلمي، nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ، nindex.php?page=showalam&ids=12938وابن النجار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: السخاء خلق الله الأعظم.