وكذلك الصيحة والتنفس والأنين عند القرآن أو الذكر ، أو بعض مجاري الأحوال ، تارة تكون من الصدق والحزن والخوف والندم والتأسف وتارة تكون لمشاهدته حزن غيره ، وقساوة قلبه فيتكلف ، التنفس والأنين ، ويتحازن ، وذلك محمود ، وقد تقترن به الرغبة فيه لدلالته على أنه كثير الحزن ؛ ليعرف بذلك ، فإن تجردت هذه الداعية فهي الرياء ، وإن اقترنت بداعية الحزن فإن أباها ولم يقبلها وكرهها سلم بكاؤه وتباكيه ، وإن قبل ذلك وركن إليه بقلبه حبط أجره ، وضاع سعيه ، وتعرض لسخط الله تعالى به . وقد يكون أصل الأنين عن الحزن ، ولكن يمده ، ويزيد في رفع الصوت فتلك ، الزيادة رياء ، وهو محظور ؛ لأنها في حكم الابتداء لمجرد الرياء ، فقد يهيج من الخوف ما لا يملك العبد معه نفسه ، ولكن يسبقه خاطر الرياء ، فيقبله ، فيدعو إلى زيادة تحزين للصوت ، أو رفع له ، أو حفظ الدمعة على الوجه حتى تبصر بعد أن استرسلت لخشية الله ، ولكن يحفظ أثرها على الوجه لأجل الرياء .
وكذلك قد يسمع الذكر فتضعف قواه من الخوف ، فيسقط ثم يستحي أن يقال له : إنه سقط من غير زوال عقل وحالة شديدة ، فيزعق ويتواجد تكلفا ليرى أنه سقط لكونه مغشيا عليه ، وقد كان ابتداء السقطة عن صدق . وقد يزول عقله فيسقط ، ولكن يفيق سريعا ، فتجزع نفسه أن يقال : حالته غير ثابتة ، وإنما هي كبرق خاطف ، فيستديم الزعقة والرقص ليرى دوام حاله وكذلك قد يفيق بعد الضعف ولكن يزول ضعفه سريعا ، فيجزع أن يقال : لم تكن غشيته صحيحة ، ولو كان لدام ضعفه ، فيستديم إظهار الضعف والأنين ، فيتكئ على غيره ، يرى أنه يضعف عن القيام ، ويتمايل في المشي ويقرب الخطا ليظهر أنه ضعيف عن سرعة المشي .
فإذا خطرت فعلاجها أن يتذكر أن الناس لو عرفوا نفاقه في الباطن واطلعوا على ضميره لمقتوه وإن الله مطلع على ضميره ، وهو له أشد مقتا ، كما روي عن ذي النون رحمه الله أنه قام وزعق فقام معه شيخ آخر رأى فيه أثر التكلف فقال يا شيخ الذي يراك حين تقوم ، فجلس الشيخ .
وكل ذلك من أعمال المنافقين .
وقد جاء في الخبر تعوذوا : « بالله من خشوع النفاق . .
وإنما خشوع النفاق أن تخشع الجوارح والقلب غير خاشع .
(وكذلك الصيحة) أي: الزعقة (والتنفس) صعداء (والأنين عند) سماع (القرآن والذكر، أو بعض مجاري الأحوال، تارة تكون من الصدق والحزن والخوف والندم والتأسف) على ما فات من الخير (وتارة تكون بمشاهدته حزن غيره، وقساوة قلبه، فيتنفس ويتكلف التنفس والأنين، ويتحازن، وذلك محمود، وقد تقترن به الرغبة فيه لدلالته على أنه كثير الحزن؛ ليعرف بذلك، فإن تجردت هذه الداعية فهي الرياء، وإن اقترنت بداعية الحزن فإن أباها ولم يقبلها وكرهها سلم بكاؤه وتباكيه، وإن قبل ذلك وركن إليه بقلبه حبط أجره، وضاع سعيه، وتعرض لسخط الله به .
وقد يكون أصل الأنين عن الحزن، ولكن يمده، ويزيد في رفع الصوت، فرفع تلك الزيادة رياء، وهو محظور؛ لأنها في حكم الابتداء لمجرد الرياء، فقد يهيج من الخوف ما لا يملك العبد معه نفسه، ولكن يسبق خاطر الرياء، فيقبله، فيدعو إلى زيادة تحزين الصوت، أو رفع له، أو حفظ الدمعة) الجارية (على الوجه حتى تبصر) أي: يراها الناس (بعد أن استرسلت لخشية الله، ولكن يحفظ أثرها على الوجه لأجل الرياء .
وكذلك قد يسمع الذكر فتضعف قواه) وترتخي (من الخوف، فيسقط) على الأرض (فيستحيي أن يقال: إنه سقط من غير زوال عقل وحالة شديدة، فيزعق ويصيح ويتواجد تكلفا ليرى أنه سقط لكونه مغشيا عليه، وقد كان ابتداء السقطة عن صدق .
وقد يزول عقله فيسقط، ولكن يفيق سريعا، فتجزع نفسه أن يقال: حالته غير ثابتة، وإنما هي كبرق خاطف، فيستديم الزعقة والرقص والتواجد ليرى دوام حاله) وثبوتها (وكذلك قد يفيق بعد الضعف ولكن يزول [ ص: 326 ] ضعفه سريعا، فيجزع أن يقال: لم تكن غشيته صحيحة، ولو كان لدام ضعفه، فيستديم إظهار الضعف والأنين، فيتكئ على غيره، يرى أنه يضعف عن القيام، ويتمايل في المشي) يمينا وشمالا (ويقرب الخطا ليظهر أنه ضعيف عن سرعة المشي .
فهذه كلها مكايد الشيطان) وخدعه (ونزغات النفس، فإذا خطرت فعلاجها أن يتذكر أن الناس لو عرفوا نفاقه في الباطن واطلعوا على) ما في ضميره (لمقتوه) أي: أبغضوه (وأن الله مطلع على ضميره، وهو له أشد مقتا، كما روي عن ذي النون) رحمه الله تعالى (أنه) لما دخل بغداد واجتمعت عليه الصوفية، ومنهم قوال يقول شيئا فاستأذنوه بأن يقول بين يديه شيئا، فأذن له، فابتدأ يقول:
صغير هواك عذبني فكيف به إذا احتنكا وأنت جمعت من قلبي هوى قد كان مشتركا أما ترثي لمكتئب إذا ضحك الخلي بكى
(قام) ذو النون (وزعق) وسقط على وجهه، والدم يقطر من جبينه ولا يشعر به (فقام معه شيخ آخر رأى فيه آثر التكلف) يتواجد (فقال) له ذو النون (يا شيخ الذي يراك حين تقوم، فجلس الشيخ) حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري في الرسالة، عن أحمد بن مقاتل المكي، ثم قال: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في هذه الحكاية: كان nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون المصري صاحب إشراف على ذلك الرجل حيث نبهه أن ذلك ليس مقامه، وكان ذلك الرجل صاحب إنصاف حيث قبل ذلك منه، فرجع وقعد، وقد تقدم ذلك في كتاب السماع والوجد .
(وكل ذلك من أعمال المنافقين، وقد جاء في الخبر: "نعوذ بالله من خشوع النفاق") قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق، وفيه الحارث بن عبيد الأنماري، ضعفه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين.
(وإنما خشوع النفاق أن تخشع الجوارح والقلب غير خاشع) وقد جاء مفسرا هكذا في الخبر فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي، من حديث أبي بكر المتقدم بلفظ: "تعوذوا بالله من خشوع النفاق، قالوا: يا رسول الله، وما خشوع النفاق؟ قال: خشوع البدن ونفاق القلب" وقد رواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في تاريخه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر.