وقال صلى الله عليه وسلم : ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة يمسكانه بها ، فإن هو رفع نفسه جبذاها ، ثم قالا : اللهم ضعه وإن وضع نفسه قالا : اللهم ارفعه .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه في بيته يأكلون ، فقام سائل على الباب وبه زمانة يتكره منها فأذن له ، فلما دخل أجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذه ، ثم قال له : اطعم فكأن رجلا من قريش اشمأز منه وتكره ، فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها .
(وإذ ذكرنا ذم الكبر والاختيال فلنذكر) الآن (فضيلة التواضع) وما فيه من الأخبار والآثار، والله الموفق .
* (بيان فضيلة التواضع) *
وهو تفاعل من الوضع بمعنى الخشوع والذل، والفرق بين التواضع والضعة أن التواضع رضا الإنسان بمنزلة دون ما تستحقه منزلته، والضعة وضع الإنسان نفسه بمحل يزرى به، والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة، والخشوع يقال باعتبار أفعال الجوارح؛ ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: وقال ابن القيم: الفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتولد من بين العلم بالله وصفاته ومحبته وإجلاله وبين معرفته بنفسه ونقائصها وعيوب عمله وآفاتها، فيتولد من ذلك خلق هو التواضع، وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة للخلق، والمهانة الدناءة والخسة وابتذال النفس في نيل حظوظها، كتواضع الفاعل للمفعول به .
(وقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد) ما نافية، ومن زائدة، وهي هنا تفيد عموم النفي، وتحسين دخول ما على النكرة (إلا ومعه ملكان) موكلان به (وعليه حكمة) محركة، وهي نحو لجام الدابة، سميت بذلك؛ لأنها تذللها لراكبها حتى يمنعها الجماح ونحوه، ومنه اشتقاق الحكمة بالكسر؛ لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل (يمسكانه بها، فإن هو رفع نفسه) على غيره واستعلى (جبذاها، ثم قالا: اللهم ضعه) وهو كناية عن إذلاله (وإن وضع نفسه) للحق والخلق (قالا: اللهم ارفعه) وهو كناية عن إعزاره ورفع قدره .
[ ص: 351 ] قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي في الضعفاء، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وكلاهما ضعيف. اهـ .
قلت: حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار، قال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري والهيثمي: إسنادهما حسن، وتبعهما السيوطي فرمز لحسنه، ولفظهما: "ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته" لكن قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: حديث لا يصح .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي في مساوئ الأخلاق، nindex.php?page=showalam&ids=14113والحسن بن سفيان في مسنده، nindex.php?page=showalam&ids=13473وابن لال في مكارم الأخلاق، والديلمي، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: "ما من آدمي إلا وفي رأسه سلسلتان؛ سلسلة في السماء السابعة وسلسلة في الأرض السابعة، فإذا تواضع رفعه الله بالسلسلة إلى السماء السابعة، وإذا تجبر وضعه الله بالسلسلة إلى الأرض السابعة".
وقد روي ذلك من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عند ابن صصرى في أماليه، بلفظ: "ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع رفعه الله، وإن ارتفع قمعه الله، والكبرياء رداء الله، فمن نازع الله قمعه".
وعند nindex.php?page=showalam&ids=12181أبي نعيم في الحلية والديلمي بلفظ: "ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك، فإن تواضع رفعه بها، وقال: ارتفع، رفعك الله، وإن رفع نفسه جذبه إلى الأرض، وقال: اخفض، خفضك الله".
وروى بعض ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، وقد تقدم بعضه في كتاب العلم، وبعضه في آفات اللسان، وذكرنا هنالك الكلام على راويه ومرتبة الحديث .
قال الحافظ: بل له حديث مسند، أورده nindex.php?page=showalam&ids=13563ابن منده من طريق عبد بن أبي هالة، عن أوس بن خولي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: nindex.php?page=hadith&LINKID=855605 "من تواضع لله رفعه الله" وفي إسناده nindex.php?page=showalam&ids=15787خارجة بن مصعب، وهو ضعيف، وفيه من [ ص: 352 ] لا يعرف أيضا .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13260ابن شاهين في الترغيب في الذكر من حديثه بسند رجاله ثقات: "من أكثر ذكر الله أحبه الله".
(وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في نفر من أصحابه في بيته يأكلون، فقام سائل على الباب وبه زمانة) وهو مرض يدوم زمانا طويلا (يتكره منها) وفي نسخة: منكرة (فأذن له، فلما دخل أجلسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذه، ثم قال: اطعم) أي: كل (وكأن رجلا من قريش اشمأز منه، وتكرهه، فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها) .
قال العراقي: لم أجد له أصلا، والموجود "أكله مع مجذوم" رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: غريب. اهـ .
ويؤيد الجملة الأخيرة من الحديث ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي، عن يحيى بن جابر قال: "ما عاب رجل قط رجلا بعيب إلا ابتلاه الله بذلك العيب".
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال: "إني لأرى الشيء فأكرهه، فلا يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله".
ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال: "لو سخرت من كلب خشيت أن أحول كلبا" وقال nindex.php?page=showalam&ids=12171عمرو بن شرحبيل: "لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل ما صنع" إلى غير ذلك مما تقدم بعضه .