اعلم أن الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر ، فالباطن هو خلق في النفس ، والظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح .
واسم الكبر بالخلق الباطن أحق وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق .
وخلق الكبر موجب للأعمال ولذلك ، إذا ظهر على الجوارح ، يقال : تكبر وإذا لم يظهر يقال : في نفسه كبر .
فالأصل هو الخلق الذي في النفس ، وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به وبه ينفصل الكبر عن العجب ، كما سيأتي ، فإن العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجبا ، ولا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره ، وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال ، فعند ذلك يكون متكبرا ، ولا يكفي أن يستعظم نفسه ليكون متكبرا ؛ فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه ، يرى غيره أعظم من نفسه ، أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه ، ولا يكفي أن يستحقر غيره ، فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر ، ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر ، بل ينبغي أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة ، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره ، فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل فيه خلق الكبر لا أن هذه الرؤية تنفي الكبر ، بل هذه الرؤية وهذه العقيدة تنفخ فيه ، فيحصل في قلبه اعتداد وهزة وفرح وركون إلى ما اعتقده ، وعز في نفسه بسبب ذلك ، فتلك العزة والهزة والركون إلى العقيدة هو خلق الكبر .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك من نفخة الكبرياء » وكذلك قال عمر: أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا للذي استأذنه أن يعظ بعد صلاة الصبح فكأن الإنسان مهما رأى نفسه بهذه العين وهو الاستعظام كبر وانتفخ، وتعزز، فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات، وتسمى أيضا عزة وتعاظما؛ ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى: إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه قال: عظمة لم يبلغوها، ففسر الكبر بتلك العظمة، ثم هذه العزة تقتضي أعمالا في الظاهر والباطن هي ثمرات، ويسمى ذلك تكبرا فإنه مهما عظم عنده قدره بالإضافة إلى غيره حقر من دونه وازدراه، وأقصاه عن نفسه، وأبعده، وترفع عن مجالسته ومواكلته، ورأى أن حقه أن يقوم ماثلا بين يديه إن اشتد كبره، فإن كان أشد من ذلك استنكف عن استخدامه، ولم يجعله أهلا للقيام بين يديه، ولا بخدمة عتبته، فإن كان دون ذلك فيأنف من مساواته، وتقدم عليه في مضايق الطرق وارتفع عليه في المحافل وانتظر أن يبدأه بالسلام، واستبعد تقصيره في قضاء حوائجه، وتعجب منه، وإن حاج أو ناظر أنف أن يرد عليه، وإن وعظ استنكف عن القبول، وإن وعظ عنف في النصح، وإن رد عليه شيء من قوله غضب وإن علم لم يرفق بالمتعلمين، واستذلهم، وانتهرهم، وامتن عليهم، واستخدمهم، وينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالا لهم واستحقارا .
(اعلم) هداك الله تعالى (أن الكبر) بكسر فسكون، اسم من التكبر، قال nindex.php?page=showalam&ids=12860ابن القوطية: هو اسم من كبر الأمر إذا عظم، والكبر العظمة، والكبرياء مثله: ويقال: كبر الصغير وغيره يكبر من باب تعب كبرا، وزان عنب، ومكبرا كمسجد، فهو كبير، وكبر الشيء من باب قرب عظم، فهو كبير أيضا، والاستكبار مثل التكبر، فالكبر اسم لحالة يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسه أعظم من غيره .
وهو (ينقسم إلى ظاهر وباطن، فالباطن هو خلق في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر من الجوارح، واسم الكبر بالخلق الباطن أحق) لأنه منشؤه الإعجاب والرؤية (وأما الأعمال فإنها ثمرة لذلك الخلق) ونتائج له .
(وخلق الكبر موجب للأعمال، وذلك إذا ظهر) أثره (على الجوارح، يقال: تكبر) واستكبر ... (وإذا لم يظهر يقال:) فلان (في نفسه كبر، فالأصل هو الخلق الذي في النفس، وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه) في العظم والقدر والمنزلة .
(فإن الكبر يستدعي) شيئين (متكبرا عليه ومتكبرا به) فلا بد منهما في تصوير حقيقة الكبر (وبه ينفصل الكبر من العجب، كما سيأتي، فإن العجب) بضم فسكون (لا يستدعي غير المعجب) به (بل لو لم يخلق إلا وحده تصور أن يكون معجبا، ولا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون معه غيره، وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبرا، ولا يكفي أن يستعظم نفسه) أي: يعده عظيم القدر والمنزلة (ليكون) بذلك الاستعظام (متكبرا؛ فإنه قد يستعظم نفسه، ولكن يرى غيره أعظم من نفسه، أو مثل نفسه) مساويا له (فلا يتكبر عليه، ولا يكفي أن يستحقر غيره، فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر، ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر، بل ينبغي أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة، ثم) بعد ذلك (يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره، فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل فيه خلق الكبر) في الباطن (لأن هذه [ ص: 361 ] الرؤية تنفي الكبر، بل هذه الرؤية وهذه العقيدة تنفح، فيحصل في قلبه اعتداد وهزة وفرح) واسترواح (وركون إلى ما اعتقده، وعز في نفسه بسبب ذلك، فتلك العزة والهزة والركون إلى العقيدة في خلق الكبر؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء") أي: من الركون إلى تلك العقيدة التي تنفخ الكبر في باطني، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث، وأن العراقي قال: لم أجده هكذا .
(ولذلك قال عمر) رضي الله عنه (أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا) قاله (للذي استأذنه أن يعظ بعد صلاة الصبح) فإنه يخشى عليه من هذه النفخة، وقد تقدم أيضا .
(فكأن الإنسان مهما رأى نفسه بهذه العين وهو الاستعظام كبر) أي: عظم (وانتفخ، وتعزز فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات، ويسمى أيضا عزا وتعاظما) ويستعمل كل ذلك في معنى واحد؛ لكونها متقاربة (ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس) رضي الله عنه (في قوله تعالى) إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه قال: عظمة لم يبلغوها) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد، nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد (ففسر الكبر بتلك العظمة) والمراد بالعظمة هنا التكبر عن الحق، والتعظم من الشكر أو التعلم .
(ثم هذه العزة تقتضي أعمالا في الظاهر أو الباطن هي ثمراته، ويسمى ذلك تكبرا) واستكبارا (فإنه مهما عظم عنده قدره بالإضافة إلى غيره حقر من دونه وازدراه، وأقصاه عن نفسه، وأبعده، وترفع عن مجالسته ومواكلته، ورأى أن حقه أن يقوم ماثلا بين يديه) كهيئة الخدم (إن اشتد كبره، فإن كان أشد من ذلك استنكف عن استخدامه، ولم يجعله أهلا للقيام بين يديه، ولا خدمة عتبته، فإن كان دون ذلك فيأنف عن مساواته، وتقدم عليه في مضايق الطرق) عند مماشاته (وارتفع عليه في المحافل) العامة والخاصة، و (انتظر) منه (أن يبدأه بالسلام) ومصافحته (واستبعد تقصيره في قضاء حوائجه، وتعجب منه، وإن حاج أو ناظر أنف أن يرد عليه) في مناظرته (وإن وعظ استنكف عن القبول) لوعظه (وإن وعظ) غيره (عنف في النصح) وشدد الكلام فيه (وإن رد عليه شيئا من قوله) في محاوراته (غضب) من ذلك (وإن علم لم يرفق بالمتعلمين، واستذلهم، وانتهرهم، وامتن عليهم، واستخدمهم، وينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير) في بلادتهم (استجهالا لهم واستحقارا) لشأنهم .