وقد قال أبو سلمة قلت nindex.php?page=showalam&ids=44لأبي سعيد الخدري ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم ؟ فقال : يا ابن أخي ، كل لله ، واشرب لله ، والبس لله ، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء ، أو سمعة ، فهو معصية وسرف ، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ، كان يعلف الناضح ويعقل البعير ويقم البيت ويحلب الشاة ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ويأكل مع خادمه ويطحن عنه إذا أعيا ويشتري الشيء من السوق ، ولا يمنعه الحياء أن يلعقه بيده ، أو يجعله في طرف ثوبه ، وينقلب إلى أهله ، يصافح الغني والفقير ، والكبير والصغير ، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير ، أسود أو أحمر ، حر أو عبد ، من أهل الصلاة ، ليست له حلة لمدخله وحلة لمخرجه لا يستحي من أن يجيب إذا دعي ، وإن كان أشعث أغبر ولا يحقر ما دعي إليه وإن لم يجد إلا حشف الدقل لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء هين المؤنة .
لين الخلق ، كريم الطبيعة ، جميل المعاشرة ، طليق الوجه ، بسام من غير ضحك محزون من غير عبوس ، شديد في غير عنف ، متواضع في غير مذلة ، جواد من غير سرف ، رحيم لكل ذي قربى ومسلم ، رقيق القلب ، دائم الإطراق لم يبشم قط من شبع ولا ، يمد يده من طمع . قال أبو سلمة فدخلت على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فحدثتها بما قال أبو سعيد في زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أخطأ منه حرفا ، ولقد قصر ؛ إذ ما أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمتلئ قط شبعا ، ولم يبث إلى أحد شكوى ، وإن كانت الفاقة لأحب إليه من اليسار والغنى ، وإن كان ليظل جائعا يلتوي ليلته حتى يصبح ، فما يمنعه ذلك عن صيام يومه ، ولو شاء أن يسأل ربه ، فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها من مشارق الأرض ومغاربها لفعل وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع ، فأمسح بطنه بيدي ، وأقول : نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك ويمنعك من الجوع ، فيقول : يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا ، فمضوا على حالهم ، وقدموا على ربهم ، فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم ، فأجدني أستحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم ، فأصبر أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة ، وما من شيء أحب إلي من اللحوق بإخواني وأخلائي . قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فوالله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله عز وجل .
فما نقل من أحواله صلى الله عليه وسلم يجمع جملة أخلاق المتواضعين ، فمن طلب التواضع فليقتد به ومن رأى نفسه فوق محله صلى الله عليه وسلم ولم يرض لنفسه بما رضي هو به فما أشد جهله ! فلقد كان أعظم خلق الله منصبا في الدنيا والدين ، فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نطلب العز في غيره لما عوتب في بذاذة هيئته عند دخوله الشام .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء اعلم أن لله عبادا يقال لهم : الأبدال ، خلف من الأنبياء ، هم أوتاد الأرض ، فلما انقضت النبوة أبدل الله مكانهم قوما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولا حسن حلية ولكن بصدق الورع وحسن النية ، وسلامة الصدر لجميع المسلمين ، والنصيحة لهم ؛ ابتغاء مرضاة الله ، بصبر من غير تجبن ، وتواضع في غير مذلة ، وهم قوم اصطفاهم الله ، واستخلصهم لنفسه ، وهم أربعون صديقا أو ، ثلاثون رجلا قلوبهم على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه واعلم يا أخي أنهم لا يلعنون شيئا ولا يؤذونه ، ولا يحقرونه ، ولا يتطاولون عليه ، ولا يحسدون أحدا ولا يحرصون على الدنيا ، هم أطيب الناس خيرا وألينهم عريكة وأسخاهم نفسا ، علامتهم السخاء ، وسجيتهم البشاشة ، وصفتهم السلامة ، ليسوا اليوم في خشية وغدا في غفلة ، ولكن مدامين على حالهم الظاهر ، وهم فيما بينهم وبين ربهم لا تدركهم الرياح العواصف ، ولا الخيل المجراة ، قلوبهم تصعد ارتياحا إلى الله ، واشتياقا إليه ، وقدما في استباق الخيرات ، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون . قال الراوي فقلت : يا nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء ما سمعت بصفة أشد علي من تلك الصفة وكيف ، لي أن أبلغها فقال : ما بينك وبين أن تكون في أوسعها إلا أن تكون تبغض الدنيا ؛ فإنك إذا بغضت الدنيا أقبلت على حب الآخرة ، وبقدر حبك للآخرة تزهد في الدنيا ، وبقدر ذلك تبصر ما ينفعك ، وإذا علم الله من عبد حسن الطلب أفرغ عليه السداد واكتنفه بالعصمة . واعلم يا ابن أخي أن ذلك في كتاب الله تعالى المنزل : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون قال يحيى بن كثير فنظرنا في ذلك فما تلذذ المتلذذون بمثل حب الله وطلب مرضاته .
اللهم اجعلنا من محبي المحبين لك يا رب العالمين فإنه لا يصلح لحبك إلا من ارتضيته وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وقد قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف، تابعي، مدني، ثقة: (قلت nindex.php?page=showalam&ids=44لأبي سعيد الخدري) رضي الله عنه: (ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمركب والمطعم والمشرب؟ فقال: يا ابن أخي، كل لله، واشرب لله، والبس لله، وكل شيء من ذلك دخله زهو) أي عجب (أو مباهاة) أي: مفاخرة (أو رياء، أو سمعة، فهو معصية وسرف، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج في بيته، كان يعلف الناضح) أي: البعير، أي: يطعمه العلف (ويعقل البعير) أي: يشده بالعقال، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: "كان يعقل الشاة" (ويقم البيت) أي: يكنسه (ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب) .
(ويأكل مع خادمه) تواضعا لله تعالى (ويطحن عنه) بالرحى (إذا أعيا) أي: تعب (ويشتري الشيء من السوق، ولا يمنعه الخيلاء أن يعقله بيده، أو يجعله في طرف ثوبه، وينقلب إلى أهله، يصافح الغني والفقير، والصغير والكبير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير، أسود وأحمر، حر أو عبد، من أهل الصلاة، ليست له حلة لمدخله وحلة لمخرجه) إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي روى من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=73488 "أنه كان له برد يلبسه في العيدين والجمعة".
(لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي، وإن كان) الداعي (أشعت أغبر) وعند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: nindex.php?page=hadith&LINKID=100306 "كان يجيب دعوة المملوك" (ولا يحقر ما دعي إليه) ولو كان قليلا أو حقيرا (وإن لم يجد إلا حشف الدقل) وهو رديء التمر (لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء) .
وقد روي عن عطاء، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد، نحوه، كما سيأتي التنبيه عليه .
(هين المؤنة، لين الخلق، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طليق الوجه، بسام من غير ضحك) أي: كثير التبسم من غير مجاوزة فيه، كما روي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4708عبد الله بن الحارث بن جزء.
[ ص: 384 ] (محزون من غير عبوس، شديد في غير عنف، متواضع في غير مذلة، جواد من غير سرف، رحيم لكل ذي قربى ومسلم، رقيق القلب، دائم الإطراق) أي: النظر إلى الأرض .
(لم يتجشأ قط من شبع، ولم يمد يده إلى طمع .
قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن: (فدخلت على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- فحدثتها بما قال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (في زهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ما أخطأ منه حرفا واحدا، ولقد قصر؛ إذ ما أخبرك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يمتلئ قط شبعا، ولم يبث إلى أحد شكوى، وإن كانت الفاقة لأحب إليه من اليسار والغنى، وإن كان) صلى الله عليه وسلم (ليظل جائعا يلتوي ليلته حتى يصبح، فما يمنعه ذلك عن صيام يومه، ولو شاء أن يسأل ربه، فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها من مشارقها ومغاربها لفعل) أي: لم يكن ذلك من اضطرار به إليه، ولكنه اختار ما عند الله .
(وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع، فأمسح بطنه بيدي، وأقول: نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك ويمنعك من الجوع، فيقول: يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم، وقدموا على ربهم، فأكرم مآبهم) أي: منصرفهم (وأجزل) أي: وفر (ثوابهم، فأجدني أستحيي إن ترفهت) أي: توسعت (في معيشتي أن يقصر بي دونهم، فأصبر أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة، وما من شيء أحب إلي من اللحوق بإخواني. قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها- فوالله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله عز وجل) .
قال العراقي: في حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة قال الخدري لأبي سلمة: "عالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج في بيته، كان يعلف الناضح" الحديث، وفيه: قال أبو سلمة: "فدخلت على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فحدثتها بذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد فقالت: ما أخطأ منه حرفا، ولقد قصر، وما أخبرك أنه لم يمتلئ شبعا قط" الحديث بطوله. لم أقف لهما على إسناد. اهـ .
قلت: روى nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من طريق الوضين بن عطاء: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح قال: "دعي nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري إلى وليمة وأنا معه، فرأى صفرة وخضرة، فقال: أما تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد".
(فما نقل من أحواله -صلى الله عليه وسلم- يجمع جملة أخلاق المتواضعين، فمن طلب التواضع فليقتد به) فإن في الاقتداء به مقنعا له (ومن رأى نفسه فوق محله -صلى الله عليه وسلم- ولم يرض لنفسه بما رضي هو به فما أشد جهله!) وما أكثر حمقه!
(فلقد كان) صلى الله عليه وسلم (أعظم خلق الله منصبا في الدنيا والدين، فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به) والاستنان بسنته (ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ولا نطلب العز في غيره) قال ذلك (لما عوتب في بذاذة هيئته) أي: رثاثتها (عند دخوله الشام) .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المقرئ، حدثنا يحيى بن الربيع، حدثنا سفيان، عن أيوب الطائي، عن nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال: "لما قدم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع خفيه، وأمسكهما، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال أبو عبيدة: لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، فصك في صدره، وقال: لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، فأعزكم الله برسوله، فمهما تطلبون العزة بغيره يذلكم الله".
رواه nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، عن nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم، مثله: حدثنا عبد الله بن محمد بن شبل، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع، عن إسماعيل، عن قيس قال: "لما قدم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الشام استقبله الناس وهو على بعير، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو ركبت برذونا يلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: لا أراكم ههنا إنما الأمر من ههنا، وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيل جملي". اهـ .
قلت: وروى الحافظ الذهبي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب نحوا مما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم، وفيه: "فقيل له: يا أمير المؤمنين، الآن يلقاك الجنود والبطارقة وأنت هكذا؟! فقال: إنا قوم أعزنا [ ص: 385 ] الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره".
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء) رضي الله عنه: (اعلم أن لله عبادا يقال لهم: الأبدال، خلف من الأنبياء، هم أوتاد الأرض، فلما انقضت النبوة أبدل الله مكانهم أقواما من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولا حسن خلقة) وفي نسخة: حلية، ولفظ النوادر: ولا تسبيح (لكن بصدق الورع) ولفظ النوادر: ولكن بحسن الخلق وصدق الورع (وحسن النية، وسلامة الصدر لجميع المسلمين، والنصيحة لهم؛ ابتغاء مرضاة الله، بصبر من غير تجبر، وتواضع في غير مذلة، وهم قوم اصطفاهم الله، واستخلصهم لنفسه، وهم أربعون صديقا، ثلاثون رجلا منهم قلوبهم على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن -عليه السلام- لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه) أي: يصير خلفا له .
(واعلم يا أخي أنهم لا يلعنون شيئا) أي: لأن الصديق لا يكون لعانا، كما ورد في الخبر، وتقدم في آفات اللسان (ولا يؤذونه، ولا يحقرونه، ولا يتطاولون عليه، ولا يحسدون أحدا) على ما آتاه الله من فضله (ولا يحرصون على الدنيا، هم أطيب الناس خبرا) بضم فسكون، أي: مخبرا (وألينهم عريكة) أي: طبيعة (وأسخاهم نفسا، علامتهم السخاء، وسجيتهم البشاشة، وصفتهم السلامة، ليسوا اليوم في خشية وغدا في غفلة، ولكن مداومون على حالهم الظاهر، وهم فيما بينهم وبين ربهم لا تدركهم الرياح العواصف، ولا الخيل المجراة، قلوبهم تصعد ارتياحا إلى الله، واشتياقا إليه، وقدما في استباق الخيرات، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .
قال الراوي: قلت: يا nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء ما سمعت بصفة هي أشد علي من هذه الصفة، فكيف لي أن أبلغها؟ قال: ما بينك وبين أن تكون في أوسعها إلا أن تبغض الدنيا؛ فإنك إذا أبغضت الدنيا أقبلت على حب الآخرة، وبقدر حبك للآخرة تزهد في الدنيا، وبقدر ذلك تبصر ما ينفعك، وإذا علم الله من عبد حسن الطلب أفرغ عليه السداد واكتنفه بالعصمة .
واعلم يا أخي أن ذلك في كتاب الله المنزل: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون قال يحيى بن كثير) الكاهلي الكوفي، لين الحديث، روى له nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود، قال الذهبي في الديوان: هو معاصر nindex.php?page=showalam&ids=13726للأعمش، مجهول، وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، وفي رجال nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه: يحيى بن كثير عن أيوب، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: متروك. أما يحيى بن كثير بن درهم العنبري البصري فثقة معروف .
(فنظرنا في ذلك فما تلذذ المتلذذون بمثل حب الله وطلب مرضاته) هكذا أورده nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي في نوادر الأصول بطوله من قول nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء، اعلم أن حديث الأبدال قد روي عن جماعة من الصحابة مرفوعا وموقوفا، منهم nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=6201وعوف بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض: "لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، وعنه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية قال: حدثنا محمد بن الحارث، حدثنا سعيد بن أبي زيدون، حدثنا عبد الله بن هارون الصوري، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمائة مكانه، وأدخل من الأربعين مكانهم، قالوا: يا رسول الله دلنا على أعمالهم، قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله".
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فيروى بلفظ: "الأبدال ستون رجلا، ليسوا بالمتنطعين، ولا بالمبتدعين، ولا بالمتعمقين، ولا بالمعجبين، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكن بسخاء الأنفس، وسلامة القلوب، والنصيحة لأئمتهم، إنهم ياnindex.php?page=showalam&ids=8علي في أمتي أقل من الكبريت الأحمر" رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، والخلال في كراماتهم .
ورواه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من طرق تنوف على العشرة .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود: فقال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن السري القنطري، حدثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري، حدثنا عبد الرحيم بن يحيى، حدثنا عثمان بن عمارة، حدثنا المعافى بن عمران، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله في الخلق ثلاثمائة، قلوبهم على قلب آدم -عليه السلام- ولله في الخلق أربعون، قلوبهم على قلب موسى - عليه السلام- ولله في الخلق سبعة، قلوبهم على قلب ميكائيل -عليه السلام- ولله في الخلق خمسة، قلوبهم على قلب عزرائيل -عليه السلام- ولله في الخلق ثلاثة، قلوبهم على قلب جبريل -عليه السلام- ولله في الخلق واحد، قلبه على قلب إسرافيل -عليه السلام- فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة، فبهم يحيي ويميت، ويمطر وينبت، ويدفع البلاء، قيل nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت؟ قال: لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض، ويدعون فتدفع عنهم أنواع البلاء".
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل: فأخرجه أبو عبد الرحمن [ ص: 387 ] السلمي في سنن الصوفية، والديلمي، بلفظ: "ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال، الذين بهم قوام الدنيا وأهلها: الرضا بالقضاء، والصبر على محارم الله، والغضب في ذات الله".
وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر في التاريخ من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي مرفوعا .
ومن المراسيل ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في مراسيله، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في الكنى من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح: "الأبدال من الموالي" زاد nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: "ولا يبغض الموالي إلا منافق" وفي سنده رحال بن سالم، منكر الحديث .
ومنها ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، عن بكر بن خنيس مرفوعا مرسلا: "علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبدا" وقال nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي: هو مرفوع معضل .
وأما الآثار: فسيأتي ذكرها، وقد أورد nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي أحاديث الأبدال في الموضوعات، وطعن فيها واحدا واحدا، وتعقبه الحافظ السيوطي بأن خبر الأبدال صحيح، وإن شئت قلت: متواترا، وأطال، ثم قال: مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوي بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة. انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في فتاويه: الأبدال وردت في عدة أخبار، منها ما يصح ومنها ما لا يصح .
وأما القطب فورد في بعض الآثار. وأما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت. انتهى .
وبهذا يظهر بطلان زعم ابن تيمية أنه لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف، إلا في خبر منقطع، وليته نفى الرؤية بل نفى الجود، وكذب من ادعى الورود، فهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه، وتعدد مخرجيه .
قال المصنف رحمه الله تعالى: وإنما استتر الأبدال عن أعين الجمهور؛ لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت؛ لأنهم عندهم جهال بالله، وهم عند أنفسهم الجهلاء علماء. اهـ .
ورأى بعضهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقال: "أين بدلاء أمتك، فأومأ بيده نحو الشام، قال: فقلت: يا رسول الله أما بالعراق منهم أحد، قال: بلى، وسمى جماعة" .
ومما يتقوى به هذا الحديث ويدل لانتشاره بين الأئمة قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في بعضهم: "كنا نعده من الأبدال" وقول nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في غيره: "كانوا يشكون أنه من الأبدال" وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال .
وقال بعضهم: الأبدال أكلهم فاقة، وكلامهم ضرورة .
وقال بعضهم: علامة الأبدال أن لا يولد لهم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=17117معروف الكرخي قال: "من قال: اللهم ارحم أمة محمد في كل يوم كتبه الله من الأبدال" وهو في الحلية بلفظ: "من قال كل يوم: اللهم أصلح أمة محمد، اللهم فرج عن أمة محمد، اللهم ارحم أمة محمد، كتب من الأبدال" .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون: الأبدال هم أهل العلم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فمن هم؟!
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم، حدثنا إلياس بن يوسف الشكلي، حدثني محمد بن عبد الملك، قال: قال عبد الباري: "قلت nindex.php?page=showalam&ids=15874لذي النون المصري: صف لي الأبدال، فقال: إنك لتسألني عن دياجي الظلم، لأكشفنها لك، عبد الباري هم قوم إذا ذكروا ذكروا الله بقلوبهم؛ تعظيما لربهم؛ لمعرفتهم بجلاله، فهم حجج الله على خلقه، ألبسهم النور الساطع من محبته، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفتهم، وطهر أبدانهم بمراقبته، وطيبهم بطيب أهل معاملته، وكساهم حللا من نسج مودته، ووضع على رؤوسهم تيجان مسرته، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب، فهي معلقة بمواصلته، فهمومهم إليه ثائرة، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة" إلى آخر ما قال .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: "إن الأرض اشتكت إلى ربها انقطاع النبوة، فقال تعالى: سوف أجعل على ظهرك أربعين صديقا، كلما مات منهم رجل أبدلت مكانه رجلا؛ ولذلك سموا أبدالا، فهم أوتاد الأرض، وبهم تقوم الأرض، وبهم يمطرون" .
وقال القطب أبو العباس المرسي -قدس سره-: "جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش، رجل أشعر أزرق العين، فقلت له: ما علومك، وما مقامك؟ قال: علومي أحد وسبعون علما، ومقامي رابع الخلفاء، ورأس الأبدال السبعة، قلت [ ص: 388 ] فالشاذلي؟ قال: ذاك بحر لا يحاط به" .
وقال المرسي أيضا: "كنت جالسا بين يدي أستاذي الشاذلي فدخل جماعة، فقال: هؤلاء أبدال، فنظرت ببصيرتي فلم أرهم أبدالا فتحيرت، فقال الشيخ: من بدلت سيئاته حسنات فهو بدل، فعلمت أنه أول مراتب البدلية" .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أن ابن المثنى سأل nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل: "ما تقول في nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث؟ قال: رابع سبعة من الأبدال .
وقال بلال الخواص فيما رويناه في مناقب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وفي رسالة nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري: "كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجل يماشيني، فتعجبت منه، وألهمت أنه الخضر، فقلت: بحق الحق من أنت؟ قال: أنا أخوك الخضر، فقلت له: أريد أن أسألك؟ قال: سل، قلت: ما تقول في nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي؟ قال: هو من الأوتاد. قلت: فما تقول في nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد؟ قال: رجل صديق. قلت: فما تقول في nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث؟ قال: رجل لم يخلق بعده مثله، قلت: فبأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك أمك" .
وفي تاريخ nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب، عن nindex.php?page=showalam&ids=15059أبي بكر الكتاني قال: "النقباء ثلاثمائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن البدلاء الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة.
(فصل)
قال الشيخ الأكبر -قدس سره- في كتاب حلية الأبدال: أخبرني صاحب لنا قال: "بينا أنا ليلة في مصلاي قد أكملت وردي، وجعلت رأسي بين ركبتي أذكر الله تعالى إذ أحسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي، وبسط عوضه حصيرا، وقال: صل عليه، وباب بيتي علي مغلق، فداخلني منه الفزع، فقال لي: من يأنس بالله لم يجرع، ثم قال: اتق الله في كل حال، ثم إني ألهمت الصوت، فقلت: يا سيدي بماذا يصير الأبدال أبدالا؟ قفال: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت: الصمت والعزلة والجوع والسهر، ثم انصرف، ولا أعرف كيف دخل ولا خرج، وبابي مغلق" انتهى .
قال الشيخ الأكبر: وهذا رجل من الأبدال، اسمه معاذ بن أشرس، والأربعة المذكورة هي عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه، ومن لا قدم له فيها ولا رسوخ تائه عن طريق الله تعالى، وفي ذلك قلت:
يا من أراد منازل الأبدال من غير قصد منه للأعمال لا تطمعن بها فلست من أهلها إن لم تزاحمهم على الأحوال واصمت بقلبك واعتزل عن كل من يدنيك من غير الحبيب الدالي وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم وصحبتهم في الحل والترحال بيت الولاية قسمت أركانه ساداتنا فيه من الأبدال ما بين صمت واعتزال دائم والجوع والسهر النزيه العالي
.
(تنبيه)
لا تناقص بين أخبار الأربعين والثلاثين؛ لأن الجملة أربعون رجلا منهم ثلاثون قلوبهم قلوب إبراهيم، وعشرة ليسوا كذلك، فلا خلاف، كما صرح به خبر nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي.
وقال الشيخ الأكبر -قدس سره-: الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط، وهم أخص من الأبدال، والإمامان أخص منهم، والقطب أخص الجماعة، والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بالمحمودة، ويطلقونه على عدد خاص، وهم أربعون، وقيل: ثلاثون، وقيل: سبعة، وإنما سموا أبدالا؛ لأنه إذا مات واحد منهم أبدل، أو لأنهم أعطوا من القوة أن يتركوا بدلهم حيث يريدون .
ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت، ويكون على قلب نبي من الأنبياء، فالذي على قلب آدم له الركن الشامي، والذي على قلب إبراهيم له الركن العراقي، والذي على قلب يحيى له الركن اليماني، والذي على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- له ركن الحجر الأسود، وهو لنا بحمد الله تعالى .
وقال في الفتوحات: قوله في حديث: "على قلب إبراهيم" وفي حديث آخر: "على قلب آدم" وكذا قوله في غير هؤلاء: "ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو الملائكة" معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بدل ذلك الشخص إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب، فكل علم يرد على قلب ذلك الكبير من ملك أو رسول يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه، وربما يقول بعضهم: فلان على قدم فلان، ومعناه ما ذكر. والله أعلم .