وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الهلاك في اثنتين القنوط والعجب .
وإنما جمع بينهما ؛ لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمر والقانط لا يسعى ، ولا يطلب ، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى .
فالموجود لا يطلب ، والمحال لا يطلب والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب حاصلة له ومستحيلة في اعتقاد القانط فمن ههنا جمع بينهما .
وقد قال تعالى : فلا تزكوا أنفسكم قال ابن جريج معناه : إذا عملت خيرا فلا تقل : عملت .
وقال زيد بن أسلم لا تبروها أي : لا تعتقدوا أنها بارة ، وهو معنى العجب .
ووقى طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بنفسه ، فأكب عليه حتى أصيبت كفه فكأنه أعجبه فعله العظيم ؛ إذ فداه بروحه حتى جرح ، فتفرس ذلك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فيه فقال ما زال : يعرف في nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة نأو منذ أصيبت إصبعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والنأو هو العجب في اللغة إلا أنه لم ينقل فيه أنه أظهره واحتقر مسلما ولما كان وقت الشورى قال لهnindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أين أنت من nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة ؟ قال ذلك : رجل فيه نخوة .
فإذا كان لا يتخلص من العجب أمثالهم فكيف يتخلص من الضعفاء إن لم يأخذوا حذرهم وقال ؟! مطرف لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أبيت قائما وأصبح معجبا .
وقال صلى الله عليه وسلم : لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب .
فجعل العجب أكبر الذنوب .
وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى والدار الآخرة لمواظبته على العبادة فأطال الصلاة يوما ورجل خلفه ينظر ، ففطن له nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر ، فلما انصرف عن الصلاة قال له : لا يعجبنك ما رأيت مني ؛ فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله تعالى مع الملائكة مدة طويلة ثم صار إلى ما صار إليه .
وقيل nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة رضي الله عنها : متى يكون الرجل مسيئا ? قالت : إذا ظن أنه محسن وقد قال ، تعالى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى والمن نتيجة استعظام الصدقة ، واستعظام العمل هو العجب .
فظهر بهذا أن العجب مذموم جدا .
(الشطر الثاني من الكتاب: في العجب) *
(وفيه بيان ذم العجب وآفته، وبيان حقيقة العجب والإدلال، وحدهما، وبيان علاج العجب على الجملة، وبيان أقسام ما به العجب، وتفصيل علاجه)
وقد يعجب الإنسان بعمل هو مخطئ فيه، كما يعجب بعمل هو مصيب فيه، وقال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=2001936 "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه") رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط، nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار، nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ في التوبيخ، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي، nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب في المتفق والمفترق، nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في الحلية من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، بزيادة: "من الخيلاء" .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر.
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود) رضي الله عنه: (الهلاك في اثنتين) أي: في خصلتين، هما: (القنوط) من رحمة الله (والعجب) بنفسه (وإنما جمع بينهما؛ لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمير) وبذل الهمة (والقانط) من شأنه أنه (لا يسعى، ولا يطلب، والمعجب) بنفسه أو برأيه (يعتقد أنه قد سعد وظفر [ ص: 408 ] بمراده فلا يسعى) أيضا .
(فالموجود) المتيسر (لا يطلب، والمحال لا يطلب) لكون فرضه محالا وإن لم يكن في نفسه محالا (والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب حاصلة له) كأنها في حوزه يده (ومستحيلة في اعتقاد القانط) ولو لم تكن في الحقيقة كذلك (فمن ههنا جمع بينهما، وقد قال تعالى: فلا تزكوا أنفسكم ) أي: لا تمدحوها، ولا تثنوا عليها، والتزكية النسبة إلى الصلاح .
(وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز القرشي، مولاهم: (معناه: إذا عملت خيرا فلا تقل: عملت) وروي نحوه عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عند nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر.
(وقال زيد بن أسلم) العدوي مولاهم: معناه: (لا تبروها) رواه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير، nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر (أي: لا تعتقدوها أنها بارة، وهو معنى العجب، ووقى طلحة) بن عبيد الله التميمي القرشي، أحد العشرة، رضي الله عنهم (رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد بنفسه، فأكب عليه حتى أصيبت كفه) قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم، قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=653756 "رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت: "كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة، رأيناه في بعض تلك الحفار، فإذا به بضع وسبعون، أو أقل أو أكثر، بين طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه".
(فكأنه أعجبه فعله العظيم؛ إذ فداه بروحه حتى جرح، فتفرس ذلك فيه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر) رضي الله عنه (فقال: ما زال يعرف في طلحة بأو منذ أصيب أصبعه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبأو هو العجب في اللغة) ومنهم من قال: هو العجب بحسن الهيئة، ومنهم من فسره بالافتخار .
(إلا أنه لم ينقل فيه أنه أظهره) في وقت من الأوقات (واحتقر مسلما) وقد عصمه الله من ذلك (ولما كان وقت الشورى قال له nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس) رضي الله عنهما (أين أنت من طلحة؟ قال: ذاك رجل فيه نخوة) .
أخرجه إسحاق بن بشير في كتاب المبتدا له، بإسناد له، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: "دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، وقد خلا يوما، فتنفس تنفسا ظننت أن نفسه خرجت، ثم رفع رأسه، فتنفس الصعداء، فقلت: والله لأسألنه، فقلت: ما أخرج هذا منك إلا هم، قال: هم والله شديد، هذا الأمر لو أجد له موضعا، يعني الخلافة، ثم قال: لعلك تقول: إن صاحبك لها، يعني عليا، قلت: يا أمير المؤمنين أليس هو أهلها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت ولكن رجل فيه دعابة، فقلت: فالزبير؟ قال: يقاتل على الصاع بالبقيع، قلت: طلحة؟ قال: إن فيه لبأوا، وما أرى الله يعطيه خيرا، وما برح ذلك فيه منذ أصيبت يده، قلت: سعد؟ قال: يحضر الناس ويقاتل، وليس بصاحب هذا الأمر، قلت: فابن عوف؟ قال: نعم المرء ولكنه ضعيف، قال: وأخرت عثمان لكثرة صلاته، وكان أحب الناس إلى قريش، فقلت: عثمان: قال أوه أوه، كلف بأقاربه كلف بأقاربه، لو استعملته استعمل بني أمية أجمعين أكتعين، ويحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، والله لو فعلت لفعل، ولسارت إليه العرب حتى تقتله، إن هذا الأمر لا يحمله إلا اللين في غير ضعف، القوي في غير عنف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل" وإسحاق بن بشر، قال الذهبي: كذاب .
(فإذا كان لا يتخلص من العجب أمثالهم فكيف يتخلص الضعفاء إن لم يأخذوا حذرهم؟! قال مطرف) بن عبد الله بن الشخير -رحمه الله تعالى- تابعي، عابد، ثقه: (لأن أبيت قائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية، عن أبي حامد بن جبلة، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14474أبو العباس السراج، حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون، حدثنا أبو الأشهب، عن رجل قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف، فذكره .
(وقال صلى الله عليه وسلم: لو لم تذنبوا) وفي رواية: لو لم تكونوا تذنبون (لخشيت) وفي رواية: لخفت (عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب) هكذا هو مرتين .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في الضعفاء، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، وفيه سلام بن أبي الصهباء، قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: منكر الحديث، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: حسن الحديث .
ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد، بسند ضعيف جدا. اهـ .
قلت: ورواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي في مساوئ الأخلاق، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في تاريخه، nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في الحلية، كلهم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، وطرق الكل ضعيفة؛ ولذا قال الذهبي في الميزان عقب إيراده: ما أحسنه من حديث لو صحح! وقال السيوطي في المنار: هو حسن، وكأنه راعى تعدد طرقه، فإنه يفيد نوع قوة، بل قال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار [ ص: 409 ] بإسناد جيد .
(فجعل العجب أكبر من الذنوب) لكونه يورث الغرور بالعمل، فلا يوفق للتوبة، بخلاف غيره من المعاصي، ولأن العجب يصرف وجه العبد عن الله والذنب يصرف إليه، ولأن العجب يقبل به على نفسه والذنب يقبل به على ربه، ولأن العجب ينتج الاستكبار والذنب ينتج الاضطرار والافتقار، وخير أوصاف العبد اضطراره وافتقاره إلى ربه، وفي الحديث دلالة على أن العبد لا تبعده الخطيئة عن الله، وإنما يبعده الإصرار والاستكبار والإعراض، بل قد يكون الذنب سبب الوصلة بينه وبين ربه .
(وكان بشر بن منصور) السليمي أبو محمد البصري، والد إسماعيل وسليمة كسفينة حي من الأزد، قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: ثقة وزيادة، وقال أبو زرعة: ثقة مأمون، مات سنة ثمانين ومائة، روى له nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي (من الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى والدار الآخرة لمواظبته على العبادة) .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني: ما رأيت أحدا أخوف لله منه، وكان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة، وحفر قبره، وختم فيه القرآن، وكان ورده ثلث القرآن .
(فأطال الصلاة يوما ورجل خلفه ينظر، ففطن له بشر، فلما انصرف من الصلاة قال: لا يعجبنك ما رأيته مني؛ فإن إبليس قد عبد الله مع الملائكة مدة طويلة ثم صار إلى ما صار إليه) أي: فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بالعمل، أو يسلك به مسلك الإعجاب .
(وقيل nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة -رضي الله عنها-: متى يكون الرجل مسيئا؟ قالت: إذا ظن أنه محسن، وقال تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى والمن) على المتصدق عليه (ينتجه استعظام صدقته، واستعظام العمل هو العجب) لأنه لولا يعجب به لما عده عظيما (فظهر بهذا أن العجب مذموم جدا. والله أعلم) .