اعلم أن العجب بالأسباب التي بها يتكبر ، كما ذكرناه ، وقد يعجب بما لا يتكبر به كعجبه بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله .
فما به العجب ثمانية أقسام :
الأول : أن يعجب ببدنه في جماله وهيئته وصحته وقوته ، وتناسب أشكاله ، وحسن صورته ، وحسن صوته ، وبالجملة تفصيل خلقته ، فيلتفت إلى جمال نفسه ، وينسى أنه نعمة من الله تعالى وهو بعرضة الزوال في كل حال وعلاجه : ما ذكرناه في الكبر بالجمال ، وهو التفكر في أقذار باطنه وفي أول أمره وفي آخره وفي الوجوه الجميلة والأبدان الناعمة أنها كيف تمزقت في التراب وأنتنت ، في القبور حتى استقذرتها الطباع .
الثالث : العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الأمور من مصالح الدين والدنيا ، وثمرته الاستبداد بالرأي ، وترك المشورة ، واستجهال الناس المخالفين له ولرأيه ويخرج إلى قلة الإصغاء إلى أهل العلم ؛ إعراضا عنهم ، بالاستغناء بالرأي والعقل ، واستحقارا لهم ، وإهانة . وعلاجه : أن يشكر الله تعالى على ما رزق من العقل ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه كيف يوسوس ويجن بحيث يضحك منه ، فلا يأمن من أن يسلب عقله إن أعجب به ولم يقم بشكره وليستقصر عقله وعلمه وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلا وإن اتسع علمه وأن ما جهله مما عرفه الناس أكثر مما عرفه فكيف بما لم يعرفه الناس من علم الله تعالى ؟! وأن يتهم عقله ، وينظر إلى الحمقى كيف يعجبون بعقولهم ، ويضحك الناس منهم ، فيحذر أن يكون منهم وهو لا يدري .
فإن القاصر العقل قط لا يعلم قصور عقله فينبغي أن يعرف مقدار عقله من غيره لا من نفسه ومن ، أعدائه لا من أصدقائه فإن من يداهنه يثني عليه فيزيده عجبا وهو لا يظن بنفسه إلا الخير ، ولا يفطن لجهل نفسه ، فيزداد عجبا .
(بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه) *
(اعلم) هداك الله (أن العجب بالأسباب التي بها يتكبر، كما ذكرنا، وقد يعجب بما لا يتكبر به كعجبه [ ص: 417 ] بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله .
(وعلاجه: ما ذكرناه في الكبر بالجمال، وهو التفكر في أقذار باطنه) أي: ما في باطنه من المستقذرات، (و) التفكر (في أول أمره) كيف بدئ؟! ومن أي شيء خلق؟! (وآخره) كيف يعود؟! (وفي الوجوه الجميلة) الوضيئة (والأبدان الناعمة) المربربة (أنها كيف تمزقت في التراب، وانثنت في القبور حتى استقذرتها الطباع) ونفرت من مقاربتها والنظر إليها .
وأما عاد الآخرة فهم بنو تميم، ينزلون رمال عالج، عصوا الله فمسخوا نسناسا، وقال أئمة النسب: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، كان يعبد القمر، ويقال: إنه رأى من صلبه وأولاده وأولاد أولاده أربعة آلاف، وأنه نكح ألف جارية، ومن أولاده شداد بن عاد، صاحب المدينة المذكورة .
(وكما اتكل عوج) بالضم (على قوته فأعجب بها) وهو رجل ذكر أنه ولد في منزل آدم -عليه السلام- وعاش إلى زمن موسى -عليه السلام- قال القزاز في جامع اللغة: هو رجل من الفراعنة كان يوصف من الطول بأمر شنيع، قال الخليل: ذكر أنه كان إذا قام كان السحاب له مئزرا، قال (فاقتلع جبلا) أي: صخرة كبيرة منه (ليطبقه على عسكر موسى) -عليه السلام- فدعا موسى إلى ربه بهلاكه (فثقب الله تعالى تلك القطعة من الجبل) بأن سلط عليه طيرا فثقبه بمنقاره (حتى صارت في عنقه) ولم يزل بها حتى هلك بها، ولم تنفعه قوته شيئا .
واختلف في اسم أبيه، فقيل: عنق، بضم العين والنون، وهذا هو المشهور على الألسنة، وخطأه صاحب القاموس، وقال: الصواب عوق، بالضم وسكون الواو، قال شيخنا أبو عبد الله محمد بن الطيب الفاسي في حاشيته على القاموس: زعم بعض الحفاظ المؤرخين أن عنق اسم أم عوج وعوق أبوه، فعلى هذا لا خطأ ولا غلط، وفي شعر عرقلة الدمشقي المتوفى سنة 567:
أعور الدجال يشمي خلف عوج بن عناق
وهو ثقة عارف، وتمام الكلام عليه في شرحي على القاموس، فراجعه .
في رواية: "لأطيفن" قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وهما لغتان فصيحتان، واللام موطئة للقسم، أي: والله لأدورن الليلة، أي: في الليلة على مائة امرأة، فكنى بالطواف عن الجماع. وفي رواية: "على سبعين" وفي أخرى: "تسعين" وجمع بأن البعض سراري والبعض حرائر، على أن القليل لا ينفي الكثير، بل مفهوم العدد ليس بحجة عند الأكثرين "كلهن يأتي بفارس" أي: تلد ولدا ويصير فارسا، فقال له صاحبه، أي: قرينه وبطانته، أو وزيره من الإنس، أو خاطره، وفي رواية: "الملك" قل: إن شاء الله ذلك، فلم يقل، أي: بلسانه؛ لنسيان عرض له، فعلة الترك النسيان لا الإباء عن التفويض إلى الرحمن، فصرف عن الاستثناء القدر السابق أن يكون ما تمنى، وفيه تقديم وتأخير، أي: لم يقل: إن شاء الله، فقال له صاحبه: قل، ذكره عياض، فطاف عليهن جميعا في ليلة واحدة، وفيه دلالة على ما رزقه الأنبياء -عليهم السلام- من [ ص: 418 ] القوة في الجماع، وأنها في الرجال فضيلة، وهي تدل على صحة الذكورية، وكمال الإنسانية.
فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق إنسان، قيل: هو الجسد الذي ألقي على كرسيه، والذي وفي رواية: nindex.php?page=hadith&LINKID=660132 "أما والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لم يحنث" أي: لو سلك طريق الأدب والتفويض لأدرك مراده، وهذه منقبة عظيمة لسليمان -عليه السلام- حيث كان همه الأعظم إعلاء كلمة الله؛ حيث عزم أن يرسل أولاده الذين هم أكباده إلى الجهاد المؤدي إلى الموت .
(وكذلك قول) والده (داود -عليه السلام-: إن ابتليتني صرت) كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وتقدم قريبا (وكان إعجابا للقوة) ورؤيتها (فلما ابتلي بالمرأة لم يصبر .
وعلاجه: ما ذكرناه، وهو أن يعلم أن حمى يوم) إذا أطبقت عليه (تضعف قوته) أي: قوة سنة كما صرح به الأطباء (وأنه إذا أعجب بها سلبها الله تعالى بأدنى آفة يسلطها عليه .
(ويخرجه ذلك إلى قلة الإصغاء إلى أهل العلم؛ إعراضا عنهم، بالاستغناء بالرأي والعقل، واستحقارا لهم، وإهانة .
وعلاجه: أن يشكر الله تعالى على ما رزقه من العقل) والمعرفة (ويفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه كيف يوسوس ويجن) فيتغير عقله (بحيث يضحك منه، فلا يأمن أن يسلب عقله إن أعجب به ولم يقم بشكره) فما من نعمة (لم يؤد شكرها فقد عرضها للزوال) وليستصغر عقله وعمله وليعلم أنه ما أوتي من العمل إلا قليلا (وإن اتسع علمه) لقوله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
(و) ليعلم (أن ما جهله مما عرفه الناس أكثر مما علمه) هو (فكيف بما لم يعرفه الناس من علم الله تعالى؟! وأن يتهم عقله، وينظر إلى الحمقى) الناقصين (كيف يعجبون بعقولهم، ويضحك الناس منهم، فيحذر أن يكون منهم وهو لا يدري، فإن القاصر العقل قط لا يعلم قصور عقله) ولو علمه لسعى في إزالة قصوره .
(فينبغي أن يعرف مقدار عقله من غيره لا من نفسه، و) أن يعرف مقداره (من أعدائه) وحساد نعمته (لا من أصدقائه) ومعتقديه (فإن من يداهنه يثني عليه) ويمدحه (فيزيده عجبا) وتيها (وهو لا يظن بنفسه إلا الخير، ولا يفطن لجهل نفسه، فيزداد به عجبا) .