وقال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=930540أترجو سليم شفاعتي ، ولا ترجوها بنو عبد المطلب ، فذلك يدل على أنه سيخصص قرابته بالشفاعة ، فاعلم أن كل مسلم فهو منتظر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسيب أيضا جدير بأن يرجوها لكن بشرط أن يتقي الله أن يغضب عليه فإنه إن يغضب عليه ؛ فلا يأذن لأحد في شفاعته لأن ؛ الذنوب منقسمة إلى ما يوجب المقت فلا يؤذن في الشفاعة له وإلى ما يعفى عنه بسبب الشفاعة ، كالذنوب عند ملوك الدنيا ؛ فإن كل ذي مكانة عند الملك لا يقدر على الشفاعة فيما اشتد عليه غضب الملك ، فمن الذنوب ما لا تنجي منه الشفاعة ، وعنه العبارة بقوله تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وبقوله : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وبقوله ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له وبقوله : فما تنفعهم شفاعة الشافعين وإذا انقسمت الذنوب إلا ما يشفع فيه وإلا ما لا يشفع فيه ، وجب الخوف والإشفاق لا محالة ، ولو كان ذنب تقبل فيه الشفاعة لما أمر قريشا بالطاعة ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عن المعصية ولكان يأذن لها في اتباع الشهوات لتكمل لذاتها في الدنيا ثم يشفع لها في الآخرة لتكمل لذاتها في الآخرة .
فالانهماك في الذنوب ، وترك التقوى اتكالا على رجاء الشفاعة يضاهي انهماك المريض في شهواته اعتمادا على طبيب حاذق قريب مشفق من أب أو أخ أو غيره وذلك جهل ؛ لأن سعي الطبيب وهمته وحذقه تنفع في إزالة بعض الأمراض لا في كلها ، فلا يجوز ترك الحمية مطلقا اعتمادا على مجرد الطب ، بل للطبيب أثر على الجملة ، ولكن في الأمراض الخفيفة وعند غلبة اعتدال المزاج .
فهكذا ينبغي أن تفهم عناية الشفعاء من الأنبياء والصلحاء للأقارب والأجانب ؛ فإنه كذلك قطعا ، وذلك لا يزيل الخوف والحذر وكيف يزيل وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقد كانوا يتمنون أن يكونوا بهائم من خوف الآخرة مع كمال تقواهم ، وحسن أعمالهم ، وصفاء قلوبهم وما ، سمعوه من وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالجنة خاصة وسائر المسلمين بالشفاعة عامة ولم يتكلوا عليه ، ولم يفارق الخوف والخشوع قلوبهم ، فكيف يعجب بنفسه ويتكل على الشفاعة من ليس له مثل صحبتهم وسابقتهم .
(الرابع: العجب بالنسب الشريف) أي: المتصل إلى حضرته -صلى الله عليه وسلم- (كعجب الهاشمية) هم بنو هاشم، فيشمل العلويين والطالبيين والجعفريين (حتى يظن بعضهم أنه ينجو بسبب شرف نسبه، ونجاة آبائه، وأنه مغفور له، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موال وعبيد) أي: بمنزلتهم في المذلة .
(وعلاجه: أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم، وظن أنه ملحق بهم فقد جهل) الحقيقة؛ فإن اللحوق يقتضي الموافقة (وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب) بالنسب وغيره (بل الخوف والإزراء على النفس، واستعظام الخلق، ومذلة النفس) واستصغارها (ولقد شرفوا بالطاعة والعلم والخصال المحمودة لا بالنسب، فليتشرف بما شرفوا به) فيلحق بهم (وقد ساواهم في النسب، وشاركهم في القبائل .
ومن لم يؤمن بالله) ولم يرفع له رأسا، وسلك سبيل العناد، كأبي جهل وأبي لهب، وأضرابهما (فكانوا عند الله شرا من الكلاب، وأخس من الخنازير؛ ولذلك قال الله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) أي: آدم وحواء (أي: لا تفاوت في أنسابكم؛ لاجتماعكم في أصل واحد) [ ص: 419 ] من فوق .
(ثم ذكر فائدة النسب) بجعلهم متميزين (فقال: وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) فالشعب هو النسب الأول، والقبيلة ما انقسم فيه أنساب الشعب، ثم عمارة، وبطن، وفخذ، وفصيلة، فخزيمة شعب، وكنانه قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة (ثم بين أن الشرف) الذي هو كرم الأصل (بالتقوى لا بالنسب، فقال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) أي: أخشاكم له في السر والعلانية .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر دون قوله: "أكرم الناس" وهو بهذه الزيادة عند nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت، وسيأتي في كتاب ذكر الموت في آخر الكتاب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبد الله بن العباس، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن العلاء بن عتبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=680762 "قام فتى فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل به، أولئك الأكياس" رواه أبو سهيل بن مالك وحفص بن غيلان، ويزيد بن أبي مالك، وقرة بن قيس، ومعاوية بن عبد الرحمن، عن عطاء، مثله. ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر نحوه .
(وإنما أنزلت هذه الآية حيث أذن nindex.php?page=showalam&ids=115بلال ) رضي الله عنه (يوم الفتح على الكعبة، فقال الحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، من مسلمة الفتح، وكان من سادات قومه (وسهيل بن عمرو) بن عبد شمس بن عبد ود العامري القرشي، أبو يزيد، خطيب قريش، أسلم يوم الفتح (وخالد بن أسيد) بن أبي العيص بن أمية الأموي، أخو عتاب، أسلم يوم الفتح، وكان فيه تيه شديد: (هذا العبد الأسود يؤذن؟! فقال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
روى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الدلائل، عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة قال: "لما كان يوم الفتح رقي nindex.php?page=showalam&ids=115بلال فأذن على الكعبة، فقال بعض الناس: أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة، وقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره، فنزلت الآية".
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال: "أذن nindex.php?page=showalam&ids=115بلال يوم الفتح على الكعبة، فقال nindex.php?page=showalam&ids=14062الحارث بن هشام: أهذا العبد حين يؤذن على الكعبة؟! فقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أسيدا أن يرى هذا، وقال سهيل بن عمرو: إن يكره الله هذا ينزل فيه، وسكت أبو سفيان، فنزلت الآية".
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة.
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، وقال: غريب. اهـ .
وهكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد، nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم، nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب .
قلت: صدر الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التاريخ، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر من رواية شريح بن الحارث، عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة، والحارث بن الحارث الغامدي، nindex.php?page=showalam&ids=16839وكثير بن مرة وعمير بن الأسود معا، ولفظه: "يا معشر قريش، لا ألفين أناسا يأتون يتحرون الجنة، وتأتون تحرون الدنيا، اللهم لا أحل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمتي" الحديث .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: "يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، يا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد، يا nindex.php?page=showalam&ids=252صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم، واعلموا أن أولى الناس بي يوم القيامة المتقون، وأن تكونوا أنتم مع قرابتكم، فذاك، لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على أعناقكم، فتقولون: يا محمد، فأقول: هكذا، ثم تقولون: يا محمد، فأقول: هكذا، أعرض بوجهي عنكم، فتقولون: يا محمد أنا فلان ابن فلان، فأقول: أما النسب فأعرف وأما العمل فلا أعرف، نبذتم الكتاب، فارجعوا، فلا قرابة بيني وبينكم".
(فبين أنهم إن مالوا إلى الدنيا لم ينفعهم نسب قريش، nindex.php?page=hadith&LINKID=689217ولما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين ناداهم بطنا بعد بطن) فقال: يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، (حتى قال: يا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد، يا nindex.php?page=showalam&ids=252صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله، اعملا لأنفسكما؛ فإني لا أغني عنكما من الله شيئا) قال العراقي: متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة. ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة.
قلت: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، وتقدم سياقه قبل هذا .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي: "يا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد اشتري نفسك من النار ولو بشق تمرة، يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة لا يرجع من عندك سائل ولو بظلف محرق".
(فمن عرف هذه الأمور عرف أن شرفه بقدر تقواه، وقد كان من عادة آبائه التواضع، فإن اقتدى) وسلك طريقهم (في التقوى والتواضع) فهو المطلوب (وإلا كان طاعنا في نسب نفسه بلسان حاله مهما انتمى إليهم ولم يشبههم في التواضع والتقوى والخوف والإشفاق) والحذر من المقت .
فاعلم أن كل مسلم فهو منتظر شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والنسيب) أي: ذو النسب (جدير بأن يرجوها) وينالها (ولكن بشرط أن يتقي الله أن) يمقت، و (يغضب عليه؛ فإنه إن يغضب عليه فلا يأذن لأحد في شفاعته؛ فإن الذنوب منقسمة إلى ما يوجب المقت) من الله تعالى، وهو أشد الغضب (فلا يؤذن في الشفاعة له) أصلا (وإلى ما يعفى عنه بسبب الشفاعة، كالذنوب عند ملوك الدنيا؛ فإن كل ذي مكانة عند الملك) أي: منزلة وقدر (لا يقدر على الشفاعة فيما اشتد عليه غضب الملك، فمن الذنوب ما لا تنجي منه الشفاعة، وعنه العبارة بقوله -عز وجل-: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وبقوله: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وبقوله: لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا وبقوله: فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) فهذه الآيات كلها دالة أنه ليس كل أحد يستقل بالشفاعة، ولا كل الذنوب يشفع فيها .
(وإذا انقسمت الذنوب إلى ما يشفع فيه وإلى ما لا يشفع فيه، وجب الخوف والإشفاق لا محالة، ولو كان كل ذي ذنب تقبل فيه الشفاعة لما أمر قريشا) وهم خيار البطون من القبائل (بالطاعة) والامتثال لأوامر الله تعالى (ولما نهى فاطمة) رضي الله عنها، وهي بضعة من جسده -صلى الله عليه وسلم- (عن المعصية) ولما أمرها أن تشتري نفسها من الله تعالى (ولكان يأذن لها في اتباع الشهوات لتكمل لذتها في الدنيا) بها (ثم يشفع لها في الآخرة لتكمل لذتها في الآخرة) فتكون قد جمعت بين اللذتين .
(فالانهماك في الدنيا، وترك التقوى اعتمادا على رجاء الشفاعة يضاهي انهماك المريض في شهواته) وانبساطه فيها (اعتمادا على طبيب حاذق) بصير بالمعالجة (مشفق من أب أو أخ أو غيره) ممن يعتمد على صحبته (وذلك جهل؛ لأن سعي الطبيب وهمته وحذقه) إنما (ينفع في إزالة بعض الأمراض لا في كلها، فلا يجوز ترك الحمية) التي هي رأس الدواء (مطلقا اعتمادا على مجرد الطب، بل للطبيب أثر على الجملة، ولكن في الأمراض الخفيفة) السهلة التي يرجى بمعالجتها البرء من قرب (وعند غلبة اعتدال المزاج) وأما عند فساده فلا ينجح تدبير الطبيب فيه إلا قليلا .
(فهكذا ينبغي أن يفهم عناية الشفعاء من الأنبياء والصلحاء والأقارب والأجانب؛ فإنه كذلك قطعا، وذلك لا يزيل الخوف والحذر) والإشفاق (وكيف يزيل وخير الخلق بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه) بمقتضى الخبر: nindex.php?page=hadith&LINKID=943171 "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم" (وقد كانوا يتمنون أن يكونوا بهائم) كما تقدم من قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: "ليتني كنت كبشا لأهلي فذبحوني وأكلوني" كل ذلك (من خوف الآخرة) وهول المطلع، هذا (مع كمال تقواهم، وحسن أعمالهم، وصفاء قلوبهم، و) مع (ما سمعوه من وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم بالجنة خاصة) .
ورواه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في المعرفة، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر، من رواية عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، رفعه، بهذا .