ولأن المعقول من كونه مختصا بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر ، أو مختص بالجواهر اختصاص العرض ، وقد ظهر استحالة كونه جوهرا أو عرضا فاستحال كونه مختصا بالجهة وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطا في الاسم ، مع المساعدة على المعنى .
وقد نبه المصنف على طريق ثان في الاستدلال بقوله: (ولأن المعقول من كونه مختصا بجهة أنه مختص بحيز) هو كذا، أي: معنى من الأحياز، وقد فسره بقوله: (اختصاص الجواهر، أو مختص بالجوهر اختصاص العرض، وقد ظهر استحالة كونه جوهرا أو عرضا) أو جسما؛ إذ الحيز مختص بالجوهر، والجسم، وقد مر تنزيهه سبحانه وتعالى عنهما، وأما العرض فلا اختصاص له بالحيز إلا بواسطة كونه حالا في الجوهر، فهو تابع لاختصاص الجوهر، ولما ظهر بطلان الجوهرية والجسمية (فاستحال كونه مختصا بالجهة) وقال النسفي في "شرح العمدة": الصور والجهات مختلفة، واجتماعها عليه تعالى مستحيل، لتنافيها في أنفسها، وليس البعض أولى من البعض؛ لاستواء الكل في إفادة المدح والنقص وعدم دلالة المحدثات عليه، فلو اختص بشيء منها لكان تخصيص مخصص، وهذا من أمارات المحدث. اهـ .
وقال السبكي: صانع العالم لا يكون في جهة; لأنه لو كان في جهة لكان في مكان ضرورة أنها المكان، أو المستلزمة له، ولو كان في مكان لكان متحيزا، ولو كان متحيزا لكان مفتقرا إلى حيزه ومكانه؛ فلا يكون واجب الوجود، وثبت أنه واجب الوجود، وهذا خلف، وأيضا فلو كان في جهة فإما في كل الجهات وهو محال وشنيع، وأما في البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار إلى المخصص المنافي للوجوب. اهـ .
(وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين) مما ليس فيه حلول حيز ولا جسمية (كان غلطا في الاسم، مع المساعدة على المعنى) ولكن ينظر فيه: أيرجع ذلك المعنى إلى تنزيهه سبحانه عما لا يليق بجلاله؟ فيخطأ من أراد في مجرد التعبير عنه بالجهة؛ لإيهامه بما لا يليق، ولعدم وروده في اللغة، أو يرجع إلى غيره فيرد قوله؛ صونا عن الضلالة؟