وفرقة أخرى تغلب عليهم الوسوسة في إخراج حروف الفاتحة ، وسائر الأذكار من مخارجها ، فلا يزال يحتاط في التشديدات والفرق بين الضاد والظاء وتصحيح مخارج الحروف في جميع صلاته لا يهمه غيره ، ولا يتفكر فيما سواه ذاهلا عن معنى القرآن والاتعاظ به وصرف ، الفهم إلى أسراره .
وهذا من أقبح أنواع الغرور ، فإنه لم يكلف الخلق في تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا بما جرت به عادتهم في الكلام .
ومثال هؤلاء مثال من حمل رسالة إلى مجلس سلطان ، وأمر أن يؤديها على وجهها فأخذ يؤدي الرسالة ، ويتأنق في مخارج الحروف ويكررها ، ويعيدها مرة بعد أخرى ، وهو في ذلك غافل عن مقصود الرسالة ، ومراعاة حرمة المجلس ، فما أحراه بأن تقام عليه السياسة ، ويرد إلى دار المجانين ، ويحكم عليه بفقد العقل .
(وفرقة أخرى تغلب عليها الوسوسة في إخراج [ ص: 474 ] حروف الفاتحة، وسائر الأذكار من مخارجها، فلا يزال يحتاط في التشديدات) التي في الفاتحة، وهي أربع عشرة تشديدة، (والفرق بين) مخرجي (الضاد والظاء) ، ويتحمل المشقة في ذلك (وتصحيح مخارج الحروف في جميع صلاته لا يهمه غيره، ولا يتفكر فيما سواه ذاهلا عن معنى القرآن) الذي هو المقصود بالذات، (و) عن (الاتعاظ به، و) ، عن (صرف الفهم إلى أسراره، وهذا من أقبح أنواع الغرور، فإنه لم يكلف الخلق في تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا بما جرت به عادتهم في الكلام) أي: في محاوراتهم; ولذا لم ينقل عن أحد من السلف هذا التشدد. (ومثال هؤلاء من حمل رسالة إلى مجلس سلطان، وأمر أن يؤديها على وجهها فأخذ يؤدي الرسالة، ويتأنق في مخارج الحروف ويكررها، ويعيدها مرة بعد أخرى، وهو في ذلك غافل عن مقصود الرسالة، ومراعاة حرمة المجلس، فما أحراه بأن تقام عليه السياسة، ويرد إلى دار المجانين، ويحكم عليه بفقد العقل) فهكذا من فعل بحضرة ملك الملوك جل جلاله، ولم يراع حرمة الحضرة في أداء رسالته، فإنه يستحق التأديب .