(قسمة ثالثة للذنوب: اعلم) هداك الله تعالى (أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، وقد كثر اختلاف الناس فيها; فقال قائلون: لا صغيرة، ولا كبيرة، بل كل مخالفة لله تعالى) مما نهي عنه (فهي كبيرة) ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وتبعه جماعة منهم nindex.php?page=showalam&ids=11812أبو إسحاق الإسفراييني، nindex.php?page=showalam&ids=12604وأبو بكر الباقلاني، nindex.php?page=showalam&ids=12441وإمام الحرمين في الإرشاد، والقشيري في المرشدة، بل حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك عن الأشاعرة، واختاره في تفسيره فقال: معاصي الله عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة وكبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، ثم أول الآية الآتية: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية، بما ينبو عنه ظاهرها، وقال المعتزلة: الذنوب على ضربين: صغائر، وكبائر، وهذا ليس بصحيح. انتهى. وربما ادعى في موضع اتفاق الأصحاب على ما ذكره، واعتمد ذلك التقي السبكي.
قال القاضي عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال في معصية: إنها صغيرة إلا على معنى أنها تصغر باجتناب الكبائر، (وهذا) القول (ضعيف) ، ويعتذر بأنهم إنما قالوا ما قالوا نظرا إلى عظمة من عصى الرب فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة مع اتفاقهم في الحرج على أنه لا يكون بمطلق المعصية، فالخلف لفظي يرجع لمطلق القسمة .
(وقال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة") فالمضاف محذوف أي: صلاة الجمعة منتهية إلى الجمعة ("تكفر ما بينهن") من الصغائر ("إن اجتنب الكبائر") شرط جزاء دل عليه ما قبله .
قال النووي: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فلا تغفر، لا أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كانت لا تغفر صغائره ثم كل من المذكورات صالح للتكفير، فإن لم تكن له صغائر كتب له حسنات، ورفع له درجات. والحديث قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة. انتهى .
قلت: هذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة إلا أنهما قالا: كفارات لما بينهن ما اجتنبت، والباقي سواء، ويقرب من ذلك لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: nindex.php?page=hadith&LINKID=657352 "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهم إذا اجتنب الكبائر"، وأما لفظ nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ففيه زيادة: "ورمضان إلى رمضان"، والباقي كسياق nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي، وهكذا هو عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=662568 "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تفش"، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب بعد قوله: "إلى الجمعة وأداء الأمانات كفارات لما بينهما". قيل: وما أداء الأمانة؟ قال: "الغسل من الجنابة، فإن تحت كل شعرة جنابة"، وهكذا رواه محمد بن نصر، والشاشي، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني، والسراج في مسنده، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر، nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء ، (وفي لفظ آخر: كفارات لما بينهن إلا الكبائر) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=689203 "الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر، والجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام"، وهنا إشكال صعب أورده ابن بزيزة، وهو أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر، فما الذي تكفره الصلوات [ ص: 531 ] وأجاب عنه البلقيني بأن معنى: إن تجتنبوا الموافاة على هذه الحال من الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث: أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها إلا في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فالسؤال غير وارد، وبفرض وروده فالتخلص منه أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الخمس، فمن لم يفعل لم يجتنب; لأن تركها من الكبائر، فيتوقف التكفير على فعلها، وأحوال المكلف بالنسبة لما يصدر منه من صغيرة وكبيرة خمسة: إحداها أن لا يصدر منه شيء، فهذا ترفع درجاته .
الثانية يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا يكفر عنه جزما .
الثالثة مثله لكن مع الإصرار فلا يكفر; لأن الإصرار كبيرة .
الرابعة يأتي بكبيرة واحدة وصغائر .
الخامسة يأتي بكبائر وصغائر، وفيه نظر يحتمل إذ لم يجتنب أن تكفر الصغائر فقط .
والأرجح لا تكفر; إذ مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به، والله أعلم .