وفي فؤاد المحب نار جوى
وفي نسخة: هوىأحر نار الجحيم أبردها
، (ولا ينبغي أن ينكر هذا في عالم الآخرة; إذ له نظير مشاهد في عالم الدنيا فقد رؤي من غلب عليه الوجد) في السماع (فغدا على النار، وعلى أصول القصب) بعد أن قطعت وطارت كالأسنة (الجارحة للقدم، وهو لا يحس به لفرط غلبة ما في قلبه) ، وتقدم في كتاب الوجد والسماع، (وترى الغضبان يستولي عليه الغضب في القتال) فيقاتل (فتصيبه جراحات) في بدنه، (وهو لا يشعر بها في حال) ، ويشعر بها في المستقبل بعد خمود نار الغضب; (لأن الغضب نار في القلب ) إذا تأججت شغلت القلب عن الإحساس بالألم. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغضب قطعة من النار) رواه من حديث الترمذي بلفظ: أبي سعيد "الغضب جمرة [ ص: 553 ] في قلب ابن آدم"، وسنده ضعيف، وقد تقدم في كتاب ذم الغضب، (واحتراق الفؤاد أشد من احتراق الأجساد، والأشد يبطل الإحساس بالأضعف) أي: فلا يحس به (كما تراه، فليس التألم من النار والسيف إلا من حيث إنه) أي: كلا من النار والسيف (يفرق بين جزأين يرتبط أحدهما بالآخر برابطة التأليف الممكن في الأجسام فالذي يفرق بين القلوب وبين محبوبه الذي يرتبط به) ، وفي نسخة: المرتبط به (برابطة تأليف) الحب (أشد إحكاما من تأليف الأجسام فهو أشد إيلاما، إن كنت من أرباب البصائر، وأرباب القلوب، ولا يبعد أن لا يدرك من لا قلب له شدة هذا الألم) ، ولا يحس به، (ويستحقره) أي: يجده حقيرا (بالإضافة إلى ألم الجسم، فالصبي لو خير بين ألم الحرمان من) لعب (الكرة والصولجان، وبين ألم الحرمان عن رتبة السلطان لم يحس بألم الحرمان من رتبة السلطان أصلا، ولم يعد ذلك ألما، وقال: العدو) أي: الجري (في الميدان مع الصولجان) بضرب الكرة فيه (أحب إلي من ألف سرير للسلطان مع الجلوس عليه، بل من تغلبه شهوة البطن لو خير بين الهريسة والحلواء وبين فعل جميل يقهر به الأعداء ويفرح به الأصدقاء لآثر) أي: اختار (الهريسة والحلواء) ولم يلتفت إلى الفعل الجميل، (وهذا كله لفقد المعنى الذي بوجوده يصير الجاه محبوبا، ووجود المعنى الذي بوجوده يصير الطعام لذيذا، وذلك لمن استرقته) أي: استبعدته (صفات البهائم والسباع، ولم تظهر فيه صفات الملائكة التي لا يناسبها ولا يلذها إلا القرب من رب العالمين، ولا يؤلمها إلا البعد والحجاب، وكما لا يكون الذوق إلا في اللسان) ، وهي قوة منبثة في العصب المفروش على جوهر اللسان، وبها تدرك الطعوم بمخالطة الرطوبة اللعابية، (والسمع إلا في الأذان فلا تكون هذه الصفة إلا في القلب فمن لا قلب له ليس له هذا الحس) ، والإدراك (كمن لا سمع له، ولا بصر له ليس له لذة الألحان المطربة وحسن الصور، والألوان) المختلفة، (وليس لكل إنسان قلب، ولو كان لما صح قوله تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب فجعل من لم يتذكر بالقرآن) ولم يتعظ به (مفلسا من القلب) أي: عاريا منه عادما له عرى المفلس من المال، وقد تقدم الكلام عليه في فصول مقدمة كتاب العلم عند ذكر مختارات أقوال المصنف، (ولست أعني بالقلب هذا اللحم) الصنوبري (التي تكتنفه عظام الصدر) في الجهة اليسرى، (بل أعني به السر الذي هو من عالم الأمر، وهو اللحم الذي هو من عالم الخلق عرشه) المستوي عليه، (والصدر كرسيه، وسائر الأعضاء عالمه ومملكته) كما تقدم لك من قول في كتاب عجائب القلب، (ولله الخلق والأمر جميعا) قال الله تعالى: سهل التستري ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، (ولكن ذلك السر الذي قال تعالى فيه: قل الروح من أمر ربي هو الأمر والملك) فاللطيفة من عالم الأمر، واللحم الصنوبري من عالم الخلق; (لأن بين عالم الأمر و) بين (عالم الخلق ترتيبا، وعالم الأمر أمير على عالم الخلق) وحاكم عليه، (وهو اللطيفة التي إذا صلحت صلح بها سائر الجسد) كما ورد ذلك في الخبر وتقدم، (من عرفها) أي تلك اللطيفة (فقد عرف نفسه ومن عرف نفسه فقد عرف ربه) كما ورد بذلك الخبر وتقدم (وعند ذلك يشم العبد) السالك (مبادئ روائح المعنى المطوي تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ادم على صورته) إن الله خلق تقدم الكلام عليه قريبا، (وينظر بعين الرحمة [ ص: 554 ] إلى الجامدين) الواقفين (على ظاهر لفظه) ولا يؤولون، (وإلى المتعسفين في طريق تأويله) الخارجين عن الحدود، (وإن كانت رحمته للجامد) الواقف (على) ظاهر (اللفظ أكثر من رحمته للمتعسف في التأويل; لأن الرحمة على قدر المصيبة، ومصيبة أولئك الجامدين أكثر، وإن اشتركوا في مصيبة الحرمان من حقيقة الأمر) إذ كل منهما لم يحقق الأمر تحقيقا شافيا، فهما مشتركان في الحرمان (فالحقيقة فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وهي حكمة) ربانية (يختص بهما من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ولنعد إلى الفرض فقد أرخينا الطول) بكسر الطاء المهملة وفتح الواو: الحبل ومنه قول الشاعر:لكاد لطول المرضى وثنياه باليد
، (وطولنا النفس) محركة هو الأصل، اسم للريح الداخل والخارج في البدن من الفم والمنخر، وهو كالغذاء للنفس، وبانقطاعه بطلانها (في أمر هو أعلى من علوم المعاملات التي نقصدها في هذا الكتاب فقد ظهر أن رتبة الهلاك ليس إلا للجهال المكذبين) بالله ورسله، (وشهادة ذلك من كتاب الله) تعالى (وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تدخل تحت الحصر، فلذلك لم نوردها) ، والله الموفق .