أما ترى الجبل بتكراره في الصخرة الصماء قد أثرا
، (ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الأعمال أدومها وإن قل) قال العراقي: متفق عليه من حديث بلفظ: "أحب الأعمال إلى الله"، وقد تقدم، قلت: ورواه عائشة بلفظ: أحمد "أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه، وإن قل، (والأشياء تستبان بأضدادها، فإذا كان النافع من الأعمال هو الدائم) المتتابع، (وإن قل، فالكثير المنصرم الذي ينقطع ويضمحل قليل النفع في تنوير القلب وتطهيره، فكذلك القليل من السيئات إذا دام) وتتابع (عظم تأثيره في إظلام القلب) وتسويده (إلا أن الكبيرة قلما يتصور الهجوم عليها بغتة من غير سوابق ولواحق من جملة الصغائر، فقلما يزني الزاني بغتة من غير مراودة) من الجانبين (ومقدمات) تسبقه من نظر ولمس وتقبيل ومفاخذة (وقلما يقتل) إنسانا (بغتة من غير مشاحنة سابقة ومعاداة) من الجانبين، ومشاتمة في الأعراض، (فكل كبيرة تكتنفها صغائر سابقة ولاصقة، ولو تصورت كبيرة وحدها بغتة، ولم يتفق) له (عليها عود) ، أي: رجوع، (ربما كان العفو فيها أرجى من صغيرة واظب الإنسان عليها عمره) وداوم، (ومنها أن يستصغر الذنب) أي: يعده صغيرا ويحتقره، فيكون أعظم من احترامه; (فإن الذنب) كما يقال (كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله تعالى، وكلما استصغره كبر [ ص: 571 ] عند الله تعالى; لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهيته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به، واستصغاره يصدر عن الإلف به) ، والأنس معه، (وذلك يوجب شدة الأثر في القلب، والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات، والمحذور تسويده بالسيئات; ولذلك لا يؤاخذ بما يجري عليه في الغفلة; فإن القلب لا يتأثر بما يجري في الغفلة، وقد جاء في الخبر) في كون استصغار الذنب كبيرة (المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره) ، ولفظ القوت فيطيره، قال العراقي: رواه من رواية البخاري قال: حدثنا الحارث بن سويد حديثين: أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه، قال: عبد الله بن مسعود إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا، قال ابن شهاب: بيده فوق أنفه، ثم قال: لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا، وبه مهلكة، ومعه راحلته. الحديث .