ومن أسلم خسيسا في نفيس فلا ينبغي أن يحزن لفوات الخسيس في الحال ، وهذا من باب المعارف ، وهو من الإيمان فتارة يضعف ، وتارة يقوى ، فإن قوي قوي باعث الدين وهيجه تهييجا ، شديدا ، وإن ضعف ضعفه ، وإنما قوة الإيمان يعبر عنها باليقين ، وهو المحرك لعزيمة الصبر ، وأقل ما أوتي الناس اليقين وعزيمة الصبر .
والثاني : أن يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجا قليلا قليلا ، حتى يدرك لذة الظفر بها فيستجرئ ، عليها وتقوى منته في مصارعتها ، فإن الاعتياد والممارسة للأعمال الشاقة تؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال ، ولذلك تزيد قوة الحمالين والفلاحين والمقاتلين وبالجملة فقوة الممارسين للأعمال الشاقة تزيد على قوة الخياطين والعطارين والفقهاء والصالحين وذلك لأن قواهم لم تتأكد بالممارسة .
فالعلاج الأول يضاهي أطماع المصارع بالخلعة عند الغلبة ، ووعده بأنواع الكرامة كما وعد فرعون سحرته عند إغرائه إياهم بموسى حيث قال صلى الله عليه وسلم : وإنكم إذا لمن المقربين .
(ومن أسلم خسيسا في نفيس فلا ينبغي أن يحزن بفوات الخسيس في الحال، وهذا من باب المعارف، وهو من الإيمان) بالترغيب والترهيب، وبالقضاء والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، من الله تعالى، والإيمان بهذا واجب، والشريعة طافحة بهذا، والقرآن من فاتحته إلى خاتمته ترغيب، وترهيب، وتذكير يتذكر به اللبيب، فإذا قرأ العبد القرآن بالتدبر والإصغاء أحضر قلبه وتفكر فيما رتب الله تعالى على الطاعات من الجزاء والكرامات، وعلى المخالفات، قوي إيمانه ويقينه، وإليه أشار المصنف بقوله: (فتارة يضعف، وتارة يقوى، فإن قوي قوي باعث الدين، وهجمه تهجيما شديدا، وإن ضعف ضعفه، وإنما قوة الإيمان يعبر عنها باليقين، وهو المحرك لعزيمة الصبر، وأقل ما أوتي الناس الصبر وعزيمة اليقين) ، كما روي ذلك من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة رفعه، وقد تقدم ذكره. وإذا قوي يقينه انهزم كيد الشيطان وحزبه، وإذا قوي يقينه بالقضاء والقدر صبر على ما ابتلاه الله، وإن اتسعت معرفته حتى يرى المصيبة نعمة حصل منه الشكر عوضا عن الصبر، وارتفعت بذلك درجته عند الله تعالى .
(والثاني: أن يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجا قليلا قليلا، حتى يدرك لذة الظفر بها، فيستجرئ عليها وتقوى منته) أي: قوته (في مصارعتها، فإن الاعتياد والممارسة للأعمال الشاقة يؤكد القوى التي تصدر عنها تلك الأعمال، ولذلك تزيد قوة الحمالين) للأحمال الثقيلة، (والفلاحين) لمعاناة أعمال الأعراض، (والمقاتلين) في الحروب. (وبالجملة فقوة الممارسين للأعمال الشاقة تزيد على قوة الخياطين والعطارين) ، وهم الصيادلة، (والفقهاء) في المدارس، (والصالحين) في الزوايا، (وذلك لأن قواهم لم تتأكد بالممارسة) والمزاولة، (فالعلاج الأول يضاهي أطماع المصارع بالخلعة عند الغلبة، ووعده بأنواع الكرامة) والإنعام (كما وعد فرعون سحرته عند إغرائه إياهم بموسى) عليه السلام [ ص: 36 ] (حيث قال: وإنكم إذا لمن المقربين) .