وهو النعمة ، فلنذكر فيه حقيقة النعمة ، وأقسامها ، ودرجاتها ، وأصنافها ، ومجامعها فيما يخص ويعم ، فإن إحصاء نعم الله على عباده خارج عن مقدور البشر كما قال تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فنقدم أمورا كلية تجري مجرى القوانين في معرفة النعم ثم نشتغل بذكر الآحاد والله الموفق للصواب .
بيان حقيقة النعمة وأقسامها .
اعلم أن كل خير ولذة وسعادة بل كل مطلوب ومؤثر : فإنه يسمى نعمة ، ولكن النعمة بالحقيقة هي السعادة الأخروية وتسمية ما سواها نعمة وسعادة إما غلط وإما مجاز كتسمية السعادة الدنيوية التي لا تعين على الآخرة نعمة ، فإن ذلك غلط محض وقد يكون اسم النعمة للشيء صدقا ولكن يكون إطلاقه على السعادة الأخروية أصدق ، فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بواسطة واحدة أو بوسائط فإن تسمية نعمة صحيحة وصدق لأجل أنه يفضي إلى النعمة الحقيقية .
(الركن الثاني من أركان الشكر: ما عليه الشكر وهو النعمة، فلنذكر فيه حقيقة النعمة، وأقسامها، ودرجاتها، وأصنافها، ومجامعها فيما يخص ويعم، فإن إحصاء نعم الله تعالى) الموهوبة والمكتسبة (على عباده خارج عن مقدور البشر كما قال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فنقدم أمورا كلية تجري مجرى القوانين في معرفة النعم ثم نشتغل بذكر الآحاد والله الموفق للصواب) .
(بيان حقيقة النعمة وأقسامها)
(اعلم) وفقك الله تعالى (أن كل خير ولذة وسعادة بل كل مطلوب ومؤثر) أي: مختار (فإنه يسمى نعمة، ولكن النعمة هي السعادة الأخروية) وإليها الإشارة بقوله تعالى: وأما الذين سعدوا ففي الجنة الآية [ ص: 79 ] وذلك هو الخير المحض والفضيلة الصدق، وهو أربعة أشياء بقاء بلا فناء، وقدرة بلا عجز، وعلم بلا جهل، وغنى بلا فقر، (وتسمية ما سواها نعمة وسعادة إما غلط وإما مجاز) إما لكونه معاونا في بلوغ ذلك أو قائما فيه (كتسمية السعادة الدنيوية التي لا تعين على الآخرة نعمة، فإن ذلك غلط) محض، (وقد يكون اسم النعمة للشيء صدقا) في حد ذاته (ولكن يكون إطلاقه على السعادة الأخروية أصدق، فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بواسطة واحدة أو بوسائط) متعددة (فإن تسميته نعمة صحيح وصدق لأجل أنه يفضي إلى النعمة الحقيقية) وكل ما أفضى إلى النعمة نعمة كما أن كل ما أعان على خير وسعادة فهو خير وسعادة (والأسباب المعينة) على الخير (واللذات المسماة نعمة نشرحها بتقسيمات) .