وكذلك الزوجة والولد والقريب وكل ما ذكرناه في الأقسام الستة عشر من النعم سوى الإيمان وحسن الخلق فإنها يتصور أن تكون بلاء في حق بعض الناس ، فتكون أضدادها إذا نعما في حقهم إذ سبق أن المعرفة كمال ونعمة فإنها صفة من صفات الله تعالى ولكن قد تكون على العبد في بعض الأمور بلاء ، ويكون فقدها نعمة ، مثاله جهل الإنسان بأجله فإنه نعمة عليه ؛ إذ لو عرفه ربما تنغص عليه العيش : وطال بذلك غمه وكذلك جهله بما يضمره الناس : عليه من معارفه وأقاربه نعمة عليه ؛ إذ لو رفع الستر واطلع عليه لطال ألمه وحقده وحسده واشتغاله بالانتقام وكذلك جهله بالصفات المذمومة من غيره نعمة عليه إذ لو عرفها أبغضه وآذاه ، وكان ذلك وبالا عليه في الدنيا والآخرة بل جهله بالصفات المحمودة في غيره قد يكون نعمة عليه فإنه ربما يكون وليا لله تعالى وهو يضطر إلى إيذائه وإهانته ولو عرف ذلك وآذى كان إثمه لا محالة أعظم فليس من آذى نبيا أو وليا وهو يعرف كمن آذى وهو لا يعرف .
(وكذلك الزوجة والولد والقريب وكل ما ذكرناه من الأقسام الستة عشر من النعم) من ضرب أربعة في أربعة (سوى الإيمان وحسن الخلق فإنها تتصور أن تكون بلاء في حق بعض الناس، فتكون أضدادها إذا نعما في حقهم إذ قد سبق أن المعرفة كمال ونعمة فإنها صفة من صفات الله تعالى) باعتبار كونها مرادفة للعلم. (ولكن قد تكون على العبد في بعض الأمور بلاء، ويكون فقدها نعمة، مثاله جهل الإنسان بأجله فإنه نعمة عليه؛ إذ لو عرفه ربما تنغص عليه العيش) أي: تكدر (وطال بذلك غمه) ولم يتهن في أحواله فإبهامه من النعم اللطيفة (وكذلك جهله بما يضمره الناس) أي: يخفونه (عليه) في قلوبهم (من معارفه وأقاربه نعمة عليه؛ إذ لو رفع الستر) وانكشف الحال (واطلع عليه لطال ألمه وحقده وحسده واشتغاله بالانتقام) منهم ليشفي غيظه فيهم. (وكذلك جهله بالصفات المذمومة من غيره نعمة عليه إذ لو عرفها) بما فيه (أبغضه وآذاه، وكان ذلك وبالا عليه في الدنيا والآخرة) أما في الدنيا فلاشتغاله بإبغاضه وتضييع أوقاته، وأما في الآخرة فلما يترتب عليه من المؤاخذات. (بل جهله بالخصال في غيره قد يكون نعمة عليه فإنه ربما يكون وليا لله تعالى وهو يضطر إلى إيذائه وإهانته ولو عرف ذلك وآذى كان إثمه لا محالة أعظم فليس من آذى نبيا أو وليا وهو يعرف كمن آذى وهو لا يعرف) . ولفظ القوت: "ومن كبائر النعم ثلاث، من جهلها أضاع الشكر عليها، ومعرفتها شكر العارفين، أولها استتار الله عز وجل [ ص: 137 ] بقدرته وعزته عن الأبصار، ولو ظهر للعباد العيان لكانت معاصيهم كفرا؛ لأنهم لم يكونوا ينقصون من المعاصي المكتوبة عليهم جناح بعوضة، ولأنه تعالى كان يظهر بوصف لا يمتنعون معه من المعاصي، ووراء هذا سائر الغيوب إلا أنهم كانوا يكفرون بالمواجهة لانتهاك حرمة المشاهدة، وأيضا لما كان لهم في الإيمان من عظيم درجات ما لهم الآن لأنهم حينئذ يؤمنون بالشهادة، وهم اليوم يؤمنون بالغيب، فرفعت لهم الدرجات بحق اليقين؛ ولذلك مدحهم الله تعالى ووصفهم. والنعمة الثانية إخفاء القدر والآيات عن عموم الخلق؛ لأنها من سر الغيب، وصلاح العبيد، واستقامة الدنيا والدين، ولو ظهرت لهم لكانت خطاياهم الصغائر كبائر مع معاينة الآيات، ولما ضوعفت لهم على أعمالهم الحسنات كمضاعفتها الآن للإيمان بالغيب. والنعمة الثالثة تغييب الآجال عنهم؛ إذ لو علموا بها لما كانوا يزدادون ولا ينقصون من أعمالهم الخير والشر ذرة، فكان ذلك مع علمهم بالأجل أشد مطالبة لهم وأوقع للحجة عليهم، وأخفى ذلك عنهم معذرة لهم من حيث لا يعلمون، ولطفا بهم، ونظرا إليهم من حيث لا يحتسبون، ثم بعد ذلك من لطائف النعم شمول ستره لهم احتجب بعضهم عن بعض، وسترهم عند العلماء والصالحين، ولولا ذلك لما نظروا إليهم، ثم حجب الصالحين عنهم ولو أظهر عليهم آيات يعرفون بها حتى يكون الجاهلون على يقين من ولاية الله تعالى لهم وقربهم منه لبطل ثواب المحسنين إليهم، ولحرم قبول إحسانهم عليهم، ولحبطت أعمال المسيئين إليهم، ففي حجب ذلك ستر لما عمل العاملون لهم في الخير والشر على الرجاء وحسن الظن بالغيب وراء حجاب اليقين، وتأخرت عقوبات المؤذين لهم عن المعاجلة لما ستر عليهم من عظيم شأنهم عند الله وجليل قدرهم، ففي ستر هذا نعم عظيمة على الصالحين في نفوسهم من سلامة دينهم وقلة فتنتهم، ونعم جليلة على المتهتكين لحرمتهم المصغرين لشعائر الله من أجلهم إذا كانوا ساروا إليهم من وراء حجاب. فهذا هو لطف خفي من لطف المنعم اللطيف الوهاب، كما جاء في الخبر؛ يقول الله تعالى: nindex.php?page=hadith&LINKID=907557من آذى وليا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة. ثم إن المثابر لولي يكون مثل ذلك مثل من آذى نبيا وهو لا يعلم بنبوته قبل أن يخبره أنه رسول الله، وأن الله تعالى نبأه فلا يكون وزره وزر من انتهك حرمة نبي قد كان أعلمه أنه نبي الله لعظيم حرمة النبوة. وروينا عن nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق وغيره من السلف في معنى هذه النعم التي أوجبنا الشكر في إخفائها قال: إن الله تعالى خبأ ثلاثا في ثلاث: رضاه في طاعته، فلا تحقروا منها شيئا لعل رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته، فلا تحقروا منها شيئا لعل غضبه فيها، وخبأ ولايته في عباده المؤمنين فلا تحقروا منهم أحدا لعله ولي الله عز وجل" اهـ .