والتشديدات الواردة في الأمن من مكر الله وعذابه لا تنحصر ، وكل ذلك ثناء على الخوف ؛ لأن مذمة الشيء ثناء على ضده الذي ، ينفيه وضد الخوف الأمن ، كما أن ضد الرجاء اليأس ، وكما دلت مذمة القنوط على فضيلة الرجاء فكذلك تدل مذمة الأمن على فضيلة الخوف المضاد له . بل نقول : كل ما ورد في فضل الرجاء فهو دليل على فضل الخوف ؛ لأنهما متلازمان ، فإن كل من رجا محبوبا فلابد وأن يخاف ، فوته فإن كان لا يخاف فوته فهو إذا لا يحبه فلا يكون بانتظاره ، راجيا فالخوف والرجاء متلازمان يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر نعم يجوز أن يغلب أحدهما على الآخر ، وهما مجتمعان ويجوز أن يشتغل القلب بأحدهما ولا يلتفت إلى الآخر في الحال ، لغفلته عنه ، وهذا لأن من شرط الرجاء والخوف تعلقهما بما هو مشكوك فيه ؛ إذ المعلوم لا يرجى ولا يخاف فإذا المحبوب الذي يجوز وجوده ويجوز عدمه لا محالة ، فتقدير وجوده يروح القلب وهو الرجاء ، وتقدير عدمه يوجع القلب وهو الخوف ، والتقديران يتقابلان لا محالة ، إذا كان ذلك الأمر المنتظر مشكوكا فيه ؛ نعم أحد طرفي الشك قد يترجح على الآخر بحضور بعض الأسباب ، ويسمى ذلك ظنا فيكون ذلك سبب غلبة أحدهما على الآخر فإذا غلب على الظن وجود المحبوب قوي الرجاء وخفي الخوف ، بالإضافة إليه ، وكذا بالعكس وعلى كل حال فهما متلازمان ولذلك قال تعالى : ويدعوننا رغبا ورهبا ، وقال عز وجل : يدعون ربهم خوفا وطمعا . ولذلك عبر العرب عن الخوف
وكان محمد بن المنكدر رحمه الله إذا بكى مسح وجهه ولحيته بدموعه ، ويقول :
بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فوالذي نفسي بيده لو يعلم العلم أحدكم لصرخ حتى ينقطع صوته ، وصلى حتى ينكسر صلبه .
(والتشديدات الواردة في الأمن من مكر الله وعذابه لا تنحصر، وكل ذلك ثناء على الخوف؛ لأن مذمة الشيء ثناء على ضده الذي يتقيه، وضد الخوف الأمن، كما أن ضد الرجاء اليأس، وكما دل مذمة القنوط على فضيلة الرجاء فكذلك تدل مذمة الأمن على فضيلة الخوف [ ص: 213 ] المضاد له. بل نقول: كل ما ورد في فضل الرجاء فهو دليل على فضل الخوف؛ لأنهما متلازمان، فإن كل من رجا محبوبا فلابد وأن يخاف فواته، فإن كان لا يخاف فواته فهو إذا لا يحبه فلا يكون بانتظاره واجبا، فالخوف والرجاء متلازمان يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر) . ولفظ القوت في باب الرجاء: ومن علامة صحة الرجاء في العبد كون الخوف باطنا في رجائه لأنه لما تحقق برجاء شيء خاف فوته لعظم المرجو في قلبه، وشدة اغتباطه به، فهو لا ينفك في حال رجائه من الخوف لفوت الرجاء .
(نعم يجوز أن يغلب أحدهما على الآخر، وهما مجتمعان) وهذا خلاف ما قاله بعضهم أنه لا يجوز أن يتغلب أحدهما على الآخر، لاستوائهما في التعلق بالأسباب، فتأمل ذلك. (ويجوز أن يشتغل القلب بأحدهما ولا يلتفت إلى الآخر في الحال، لغفلته عنه، وهذا لأن من شرط الرجاء والخوف تعلقهما بما هو مشكوك فيه أو مظنون؛ إذ المعلوم لا يرجى ولا يخاف) كما سبق (فإذا المحبوب الذي يجوز وجوده ويجوز عدمه لا محالة، فتقدير وجوده يروح القلب وهو الرجاء، وتقدير عدمه يوجع القلب وهو الخوف، والتقديران يتقابلان لا محالة، إذا كان ذلك الأمر المنتظر مشكوكا فيه؛ نعم أحد طرفي الشك قد يترجح بحضور بعض الأسباب، ويسمى ذلك ظنا) وهذا هو المراد لغيره .
وأما المراد لذاته فإنه مبني على الشك (فإذا غلب على الظن وجود المحبوب قوي الرجاء وغلب الخوف، بالإضافة إليه، وكذا بالعكس) فهذا معنى غلبة أحدهما على الآخر، ولو استويا في التعلق بالأسباب (وعلى كل حال فهما) وصفان (متلازمان) لا ينفك أحدهما عن الآخر. (وكذلك قال تعالى: ويدعوننا رغبا ورهبا ، وقال عز وجل: يدعون ربهم خوفا وطمعا . ولذلك عبر العرب عن الخوف بالرجاء) وسموه به (فقال تعالى) على هذه اللغة ( ما لكم لا ترجون لله وقارا أي لا تخافون) لله عظمة، أجمعوا على هذا التفسير، وهو مخرج على قولهم: ما لك لا ترجو كذا، وهم يريدون ما لك لا تخاف، وهو أيضا أحد وجهي تفسير قوله تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه أي يخاف من لقائه .
(وكثيرا ما ورد في القرآن الرجاء بمعنى الخوف) كما في قوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ، أي يخافون عقوبات الله، كذا قوله تعالى: وترجون من الله ما لا يرجون ، أي يخافون منه ما لا يخافون (لتلازمهما) ، ولولا أنهما كشيء واحد لما فسر أحدهما بالآخر (إذ عادة العرب التعبير عن الشيء بما يلازمه) أي: من مذهبهم أن الشيء إذا كان لازما للشيء أو وصفا له أو سببا عنه أن يعبروا عنه به، ومثل أحدهما من الآخر مثل اليوم من الليلة، لما لم ينفك أحدهما عن الآخر، جاز أن يعبر عن المدة بأحدهما فيقال: ثلاثة أيام، ويقال: ثلاثة ليال، ومنه قوله تعالى مخبرا عن قصة واحدة: قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ، ثم قال: ثلاثة أيام إلا رمزا ، فلما لم يكن اليوم ينفك عن ليلته، والليلة لا تنفك عن يومها، أخبر عن أحدهما بالآخر؛ لأن أحدهما متصل بصاحبه فصارا كشيء واحد، فكيف وأن الليل والنهار أحدهما لبسة، والآخر مندرج فيه لا يظهر إلا أحدهما بحكمة الله تعالى وقدرته، لتفاوت أحكامه فيهما، وافتراق إنعامه بهما، فإذا ظهر النهار اندرج الليل فيه بقدرة الله تعالى، وإذا ظهر الليل استتر النهار لحكمة الله تعالى، وهو حقيقة إيلاجه أحدهما في الآخر، وتحقيق تكويره أحدهما على صاحبه، فكذلك حقيقة الرجاء من الخوف في معاني الملكوت إذا ظهر الخوف كان العبد خائفا، وظهرت عليه أحكام الخوف من مشاهدة التجلي، بوصف الخوف، فسمي العبد خائفا، لغلبته عليه، ويظهر الرجاء من خوفه، وإذا ظهر الرجاء كان العبد خائفا راجيا، وظهرت منه أحكام الرجاء من مشاهدة تجلي الربوبية بوصف مرجو، فوصف العبد به لأنه الأغلب عليه، وبأن الخوف في رجائه .
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر) الجهني رضي الله عنه قلت: nindex.php?page=hadith&LINKID=664700 (ما النجاة يا رسول الله؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في الصمت nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في الحلية nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب، وقد تقدم في كتاب الصمت ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ولفظهما املك بدل أمسك. (وقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله أيدخل أحد من أمتك الجنة بغير حساب؟ قال: نعم؛ من ذكر ذنوبه فبكى) أغفله العراقي (وقال صلى الله عليه وسلم: ما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله تعالى أو قطرة دم أهريقت في سبيل الله تعالى)قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة، وقال: حسن غريب، وقد تقدم (وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان) القلب (بذروف الدمع) وفي لفظ: الدموع، (قبل أن تصير) وفي لفظ تكون (الدموع دما والأضراس جمرا) قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير وفي الدعاء nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في الحلية من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بإسناد حسن ورواه الحسين المروزي في زياداته على الزهد والرقائق nindex.php?page=showalam&ids=16418لابن المبارك من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله مرسلا دون ذكر أبيه، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل أن من قال فيه عن أبيه وهم، وإنما هو عن nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله مرسلا قال: وسالم هذا يشبه أن يكون سالم بن عبد الله المحاربي وليس nindex.php?page=showalam&ids=12بابن عمر اهـ. وما ذكره من أنه سالم المحاربي هو الذي يدل عليه كلام nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التاريخ nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في الكنى nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن أبيه وأبي أحمد الحاكم فإن الراوي له عن سالم ثابت بن شريح أبو سلمة وإنما ذكروا له رواية عن سالم المحاربي، والله أعلم. نعم حكى nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في تاريخه الخلاف في أن الذي يروي عنه سالم المحاربي أو nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر اهـ. قلت: ومن جزم أنه سالم المحاربي لا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أبو زرعة كما هو بخط الحافظ ابن حجر. (وقال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=650620سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والشيخان nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أو عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد [ ص: 215 ] ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عنهما معا، وقد تقدم مرارا (وقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه: من استطاع أن يبكي فليبك، ومن لم يستطع فليتباك) أي ليتكلف البكاء .
(وكان) أبو عبد الله (محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير التيمي، من حفاظ التابعين، مات سنة ثلاثين ومائة عن نيف وسبعين سنة، روى له الجماعة، قال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان: من سادات القراء، لا يتملك من البكاء إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا بكى مسح وجهه ولحيته بدموعه، ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فوالذي نفسي بيده لو يعلم العلم أحدكم لصرخ حتى ينقطع صوته، وصلى حتى ينكسر ظهره) . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الزهد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع حدثنا عبد الجبار بن الورد عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر وقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولو تعلمون حق العلم لصرخ أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه. ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من طريقه، وروى من طريق قسامة بن زهير قال: خطبنا nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري بالبصرة فقال: أيها الناس ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يكون الدماء، حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت.