فإن قلت فلا بد لهذا من شرح بمقدار ما يفهم كيفية ابتناء التوكل عليه فأقول أما الرابع فلا يجوز الخوض في بيانه وليس التوكل أيضا مبنيا عليه بل يحصل حال التوكل بالتوحيد الثالث .
وأما الأول وهو النفاق فواضح وأما الثاني وهو الاعتقاد فهو موجود في عموم المسلمين وطريق تأكيده بالكلام ودفع حيل المبتدعة فيه مذكور في عالم الكلام وقد ذكرنا في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد القدر المهم منه .
وأما الثالث فهو الذي يبنى عليه التوكل فلنذكر منه القدر الذي يرتبط التوكل به دون تفصيله الذي لا يحتمله أمثال هذا الكتاب وحاصله أن ينكشف لك أن لا فاعل إلا الله تعالى ، وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وغنى وفقر إلى غير ذلك مما ينطلق عليه اسم فالمنفرد بإبداعه واختراعه هو الله : عز وجل لا شريك له فيه وإذا انكشف لك هذا لم تنظر إلى غيره بل كان منه خوفك وإليه رجاؤك وبه ثقتك وعليه اتكالك فإنه الفاعل على الانفراد دون غيره وما سواه مسخرون لا استقلال لهم بتحريك ذرة من ملكوت السموات والأرض وإذا انفتحت لك أبواب المكاشفة اتضح لك هذا اتضاحا أتم من المشاهدة بالبصر ، وإنما يصدك الشيطان عن هذا التوحيد في مقام يبتغي به أن يطرق إلى قلبك شائبة الشرك بسببين : أحدهما : الالتفات إلى اختيار الحيوانات .
والثاني الالتفاف إلى الجمادات أما الالتفاف إلى الجمادات فكاعتمادك على المطر في خروج الزرع ونباته ونمائه وعلى الغيم في نزول المطر وعلى البرد في اجتماع الغيم وعلى الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا كله شرك في التوحيد وجهل بحقائق الأمور ، ولذلك قال تعالى فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون قيل معناه أنهم يقولون لولا استواء الريح لما نجونا .
ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه علم أن الريح هو الهواء والهواء لا يتحرك بنفسه ما لم يحركه محرك وكذلك محركه وهكذا إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا هو متحرك في نفسه : عز وجل : فالتفات العبد في النجاة إلى الريح يضاهي التفات من أخذ لتجز رقبته فكتب الملك توقيعا بالعفو عنه وتخليته فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به يكتب التوقيع يقول .
لولا القلم لما تخلصت فيرى نجاته من القلم لا من محرك القلم وهو غاية الجهل . ومن علم أن القلم لا حكم له في نفسه وإنما هو مسخر في يد الكاتب لم يلتفت إليه ولم يشكر إلا الكاتب بل ربما يدهشه فرح النجاة وشكر الملك والكاتب من أن يخطر بباله القلم والحبر والدواة والشمس والقمر والنجوم والمطر والغيم والأرض وكل حيوان وجماد مسخرات في قبضة القدرة كتسخير القلم في يد الكاتب بل هذا تمثيل في حقك لاعتقادك أن الملك الموقع هو الكاتب التوقيع والحق أن الله تبارك وتعالى هو الكاتب لقوله تعالى :وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .
(فإن قلت: لا بد لهذا من شرح) وبيان (بمقدار ما يفهم كيفية ابتناء التوكل عليه فأقول أما الرابع) الذي هو منتهى المراتب (فلا يجوز الخوض في بيانه) لأنه من جملة علوم المكاشفة (وليس التوكل) الذي نحن فيه (مبنيا عليه بل يحصل حال التوكل بالتوحيد الثالث وأما الأول وهو النفاق واضح وأما الثاني وهو الاعتقاد فهو موجود في عموم المسلمين وطريق تأكيده) وشدة عقده وحراسته (بالكلام ودفع حيل المبتدعة فيه مذكور في) الكتب المصنفة في علم (الكلام وذكرنا في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد القدر المهم منه .
وأما الثالث فهو الذي يبنى عليه التوكل) دون الثاني (إذ مجرد التوحيد بالاعتقاد لا يورث حال التوكل) إذ الاعتقاد علم والأحوال إنما هي ثمرات الأعمال (فلنذكر منه القدر الذي يرتبط التوكل به دون تفصيله الذي لا تحتمله أمثال هذا الكتاب وحاصله) أنك إذ علمت أن الله تعالى واحد لا شريك له وأنه قائم بنفسه مقيم لغيره وأنه متولي أمورهم وكافيهم وحسيبهم علمت سعة حكمته وعلمه وكمال قدرته فتستفيد من هذا (أن ينكشف لك) أن الوجود كله في قبضته وملكه وتحت قهره وأسره (وأن لا فاعل إلا الله، وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وغنى وفقر إلى غير ذلك مما ينطلق عليه اسم) من كل حركات العالم وسكناته (فالمنفرد بإبداعه واختراعه هو الله - عز وجل) - وحده (لا شريك له فيه) وهو المتوحد بخلق ذلك كله (وإذا انكشف لك هذا) رأيت النواصي بيده يقلبها كيف شاء وحينئذ (لم تنظر إلى غيره بل كان منه خوفك وإليه رجاؤك وبه ثقتك وعليه اتكالك فإنه الفاعل على الانفراد دون غيره وما سواه مسخرون لا استقلال لهم بتحريك ذرة في ملكوت السماوات والأرض) .
وقال صاحب القوت: وقد روينا في تفسير هذه الآية قالوا: كان الملاح فارها ومثله في قوله تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قيل: قالوا: لولا نباح الكلب ووفاء الديك لأخذنا السرق .
(ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه علم أن الريح هو الهواء والهواء لا يتحرك بنفسه ما لم يحركه محرك وكذلك محركه) لا يتحرك بنفسه (وهكذا إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا هو متحرك في نفسه - عز وجل -) إذ الحركة من أمارات الحدوث والباري تعالى منزه عن ذلك (فالتفات العبد في النجاة) من شدة البحر (إلى) استواء (الريح يضاهي التفات من أخذ لتجز) أي: تقطع (رقبته) لأمر ما (فكتب الملك توقيعا) على كاغد يكتب فيه (بالعفو عنه وتخليته) عن القتل (فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به كتب التوقيع) المذكور (ويقول لولا القلم لما تخلصت) من القتل (فيرى نجاته من القلم لا من محرك القلم وهو غاية الجهل .
ومن علم أن القلم لا حكم له في نفسه وإنما هو مسخر في يد الكاتب لم يلتفت إليه ولم يشكر إلا الكاتب) لأنه هو الأصل (بل ربما يدهشه فرح النجاة وشكر الملك الموقع من أن يخطر بباله القلم والحبر والدواة فالشمس والقمر والنجوم والمطر والغيم (والريح (والأرض وكل حيوان وجماد مسخرات في قبضة القدرة) مقهورة تحت الأمر (كتسخير القلم في يد الكاتب) يحركه كيف شاء (بل هذا تمثيل في حقك لاعتقادك أن الملك الموقع) على الرقعة (هو كاتب التوقيع والحق) عند أهل الحق (أن الله تبارك وتعالى هو الكاتب لقوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) وهذا مقام الجمع، وقد تقدم الكلام على هذه الآية مرارا .