(الأصل الرابع: العلم بكونه تعالى مريدا لأفعاله، فلا موجود إلا وهو مستند إلى مشيئته، وصادر عن إرادته) اعلم أن المريد لم يرد به السمع على هذه الصفة، وإنما ورد بصيغة الفعل، ولكن إطلاق مريد مما ثبت بالإجماع، وبالجملة فالمريد أو الذي يريد أو أراد هو الذي يخصص فعله بحالة دون حالة؛ لصفة قائمة به اقتضت ذلك، وتلك الصفة هي الإرادة، وهي كما قال السنوسي صفة أزلية تؤثر في اختصاص أحد طرفي الممكن من وجود وعدم أو طول أو قصر ونحوها بالوقوع بدلا عن مقابله. اهـ .
وقال النسفي في "شرح العمدة": حدها عند المتكلمين معنى يوجب تخصيص المعقولات بوجه دون وجه، وقيل: صفة تنفى عمن قامت به الجبر والاضطرار، وفائدتها على هذا الحد أن يكون الموصوف بها مختارا فيما فعله غير مضطر إليه، ثم صانع العالم أوجده باختياره؛ إذ من لا اختيار له في فعله فهو مضطر، والمضطر عاجز، فيكون حادثا، ولا اختيار بدون الإرادة، فكان مريدا. اهـ .
وفي المقدمات للسنوسي: هي صفة يتأتى بها تخصيص كل ممكن ببعض ما يجوز عليه، وقال في "شرح الصغرى": صفة يتأتى بها تخصيص كل ممكن بالجائز المخصوص بدلا عن مقابله، وقال في شرح الوسطى: صفة يتأتى بها ترجيح وقوع أحد طرفي الممكن، وإن شئت قلت: هي القصد لوقوع أحد طرفي الممكن، وقال في "شرح الكبرى": هي قصد للفاعل إلى فعل ذلك الجائز، وإن شئت قلت: اختياره له. اهـ .
وقال أبو المنصور التميمي: الإرادة والمشيئة عندنا [ ص: 140 ] بمعنى القصد والاختيار، وزعمت الكرامية أن المشيئة الأزلية صفة واحدة يتناول ما شاء الله -عز وجل- بها من حدث يحدث، وإرادة الله غيرها، وإرادته حادثة في ذاته قبل حدوث مراداته على عدد مراداته، وقلنا: مشيئته إرادته، وهي متعلقة بحدوث جميع الحوادث على حسب تعلق علمه بها في معنى أنه أراد حدوث كل ما علم منها على ما علم من حدوثه عليه. اهـ .