اعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض وكيف يفرض ما لا وجود له ، وكيف يفسر الحب بالطاعة والطاعة تبع الحب وثمرته ، فلا بد وأن يتقدم الحب ثم بعد ذلك يطيع من أحب ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله عز وجل: يحبهم ويحبونه ، وقوله تعالى والذين آمنوا أشد حبا لله وهو دليل على إثبات الحب وإثبات التفاوت فيه ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب لله من شرط الإيمان في أخبار كثيرة؛ إذ قال أبو رزين العقيلي: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما .
وفي حديث آخر: لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحبة فقال: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله إياي .
ويروى أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحبك ، فقال صلى الله عليه وسلم استعد للفقر ، فقال: إني أحب الله تعالى فقال استعد للبلاء .
وعن عمر رضي الله عنه قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظروا إلى هذا الرجل الذي نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون .
وفي الخبر المشهور: إن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت إذ جاءه لقبض روحه: هل رأيت خليلا يميت خليله؟ فأوحى الله تعالى إليه هل رأيت محبا يكره لقاء حبيبه؟ فقال: يا ملك الموت الآن فاقبض ، وهذا لا يجده إلا عبد يحب الله بكل قلبه ، فإذا علم أن الموت سبب اللقاء انزعج قلبه إليه ولم يكن له محبوب غيره حتى يلتفت إليه .
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم في دعائه: اللهم ارزقني حبك وحب ما يقربني إلى حبك واجعل حبك أحب إلي من الماء البارد .
وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ فقال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك .
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ذاق من خالص محبة الله تعالى شغله ذلك عن طلب الدنيا وأوحشه عن جميع البشر .
وقال الحسن: من عرف ربه أحبه ومن عرف الدنيا زهد فيها ، والمؤمن لا يلهو حتى يغفل فإذا تفكر حزن ، وقال أبو سليمان الداراني: إن من خلق الله خلقا ما يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه فكيف يشتغلون عنه بالدنيا .
ويروى أن عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم فقال لهم: ما الذي بلغ بكم ما أرى فقالوا الخوف من النار فقال حق على الله أن يؤمن الخائف ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ قالوا: الشوق إلى الجنة فقال حق على الله أن يعطيكم ما ترجون ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين ، فإذا هم أشد نحولا وتغيرا كأن وجوههم المرائي من النور فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ قالوا نحب الله عز وجل فقال: أنتم المقربون أنتم المقربون ، وقال عبد الواحد بن زيد مررت برجل قائم في الثلج فقلت أما تجد البرد؟ فقال: من شغله حب الله لم يجد البرد .
وعن سري السقطي : تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها عليهم السلام فيقال : يا أمة موسى ويا أمة عيسى ويا أمة محمد غير المحبين لله تعالى، فإنهم ينادون : يا أولياء الله ، هلموا إلى الله سبحانه فتكاد قلوبهم تنخلع فرحا .
وقال هرم بن حيان المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه ، وإذا أحبه أقبل إليه وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ، ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة ، وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة ، وقال يحيى بن معاذ عفوه يستغرق الذنوب ، فكيف رضوانه ؟ ورضوانه يستغرق الآمال ، فكيف حبه ؟ وحبه يدهش العقول ، فكيف وده ؟ ووده ينسي ما دونه ، فكيف لطفه ؟ وفي بعض الكتب عبدي أنا ، وحقك لك محب ، فبحقي عليك كن لي محبا وقال يحيى بن معاذ مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب وقال nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ: إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك ، صغيرا أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني في الأحوال ، وقلبتني في الأعمال سترا وتوبة وزهدا وشوقا ورضا وحبا تسقيني من حياضك ، وتهملني في رياضك ملازما لأمرك ، ومشغوفا بقولك ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيرا ، وقد اعتدت هذا منك صغيرا ، فلي ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأني محب وكل محب بحبيبه مشغوف ، وعن غير حبيبه مصروف .
وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر ، وذلك أمر ظاهر ، وإنما الغموض في تحقيق معناه ، فليشتغل به .
(اعلم) هداك الله تعالى (أن الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض) ثابت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، (وكيف يفرض ما لا وجود له) هذا إنكار على من أنكر المحبة أصلا، وسبب إنكارهم إياها أنهم رأوا أن الحدود لا تزيدها إلا خفاء، وجميع من تكلم فيها إنما هو في أسبابها وجهاتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، ثم رد على من فسرها بالطاعة فقال (وكيف يفسر الحب بالطاعة) والانقياد لنيل الثواب (والطاعة تبع الحب وثمرته) ، فكيف تكون الثمرة حدا للمثمر والتابع حدا للمتبوع، (فلابد وأن يتقدم الحب ثم بعد ذلك يطيع من أحب) ، فعلم من ذلك أن تفسيرها بالطاعة تفسير باللازم، وليس بحد تام ولا تحد بحد أوضح منها، فحدها وجودها ولا تحد بوصف أظهر منها، (ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله عز وجل) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم (يحبهم ويحبونه) ثم قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فهذا الخبر هو متصل بالابتداء في المعنى; لأن الله تعالى وصف المؤمنين المحبين بفضله عليهم وما اعترض بينهما من الكلام، فهو نعت المحبوبين (وقوله تعالى:) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله (والذين آمنوا أشد حبا لله) ، وهو إشارة إلى أن الإيمان يحرض على حب الله تعالى ويدعو إليه، قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فأبان [ ص: 547 ] أن اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم من موجبات محبة الله عز وجل، فإذا كان اتباع النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا، وجب أن يكون حب الله الموجب له إيمانا، (وهو) أيضا (دليل على إثبات الحب وإثبات التفاوت إليه) لفظ القوت: وكل مؤمن بالله فهو محب لله تعالى ولكن محبته على قدر إيمانه وكشف مشاهدته وتجلي المحبوب له على وصف من أوصافه دليل ذلك استجابتهم له التوحيد والتزام أمره وتسليم حكمه، ثم تفاوتهم في مشاهدات التوحيد في التزام الأمر وفي تسليم الحكم، فليس ذلك يكون إلا عن محبة وأن تفاوت المحبوب على حسب أقسامهم من المحبوب، وليس يصغر عن المحبة صغير، كما لا يصغر عن المعرفة من عرف ولا يكبر على التوبة كبير، ولو كان على كل العلوم قد أوقف; لأن الله تعالى وصف المؤمنين بشدة الحب له فقال: والذين آمنوا أشد حبا لله وفي قوله: أشد، دليل على تفاوتهم في المحبة; لأن المعنى أشد فأشد، ولم يقل: شديد الحب لله فأشبه هذا الخطاب قوله: إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، فدل على أن تفاوتهم في الإكرام على قدر تفاضلهم في التقوى ولم يقل: إن الكرام المتقون، فالمؤمنون متزايدون في الحب لله على تزايدهم في المعرفة به والمشاهدة له، (وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب لله من شرط الإيمان) بالله (في أخبار كثيرة; إذ قال أبو رزيق) لقيط بن عامر بن المنتفق العامري (العقيلي) وافد بني المنتفق -رضي الله عنه-: nindex.php?page=hadith&LINKID=930424 (يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما) .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب عن أبي عبد الله [ ص: 548 ] ابن خفيف دخل البصرة على أبي العباس بن سريج، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=13216ابن سريج: أين تعرف في نص الكتاب أن محبة الله فرض؟ فقال: لا أدري، ولكن يقول القاضي فقال قوله -عز وجل-: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم إلى: فتربصوا ، والوعيد لا يكون إلا على ترك الفرض، (وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحبة) فيما شرعه من الأحكام، (فقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=666092أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله تعالى) .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقال: حسن غريب . اهـ . قلت: ورواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بزيادة: nindex.php?page=hadith&LINKID=666092وأحبوا أهل بيتي، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب: قال الحليمي: وهذا يحمل على أن يكون عاما لأنعمه كلها، وأن يكون اسم الغذاء في الطعام والشراب حقيقة، ولما عداهما من التوفيق والهداية ونصب أعلام المعرفة وخلق الحواس والعقل مجازا، أو يكون جميع ذلك بالاسم مرادا، فقد روي: nindex.php?page=hadith&LINKID=650015ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان . وفي رواية: nindex.php?page=hadith&LINKID=657057ذاق طعم الإيمان، وإنما يكون الطعم للأغذية وما يجري مجراها، فإذا جاز وصف الإيمان بالطعم جازت تسميته غذاء، فيدخل الإيمان وجميع نعم الله -عز وجل- في هذا الحديث، اهـ . وقال صاحب القوت عقب إيراد هذا الحديث: فدل ذلك على فرض الحب لله وإن تفاضل المؤمنون في نهايات فضائله، ومن أفضل ما أسدى إلينا من نعمه المعرفة به فأفضل الحب له ما كان عن المشاهدة، والمحبوب لله على مراتب من المحبة بعضها أعلى من بعض فأشدهم حبا لله أحسنهم تخلقا بأخلاقه مثل العلم والحلم والعفو وحسن الخلق والستر على الخلق، وأعرفهم بمعاني صفاته أتركهم منازعة له في معاني الصفات كيلا يشركوه فيها مثل الكبر وحب الغنى والعز وطلب الذكر، ثم أشدهم حبا لرسوله إذ كان حب الحبيب، وأتبعهم لآثاره وأشبههم هديا بشمائله، (و) قد (يروى أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحبك، فقال صلى الله عليه وسلم: استعد للفقر، فقال: إني أحب الله، فقال: استعد للبلاء) هكذا هو في القوت .
(وعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر -رضي الله عنه- قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدي أحد السابقين إلى الإسلام، أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، فعلم nindex.php?page=showalam&ids=5546عثمان بن طلحة، فأعلم أهله فأوثقوه، فلم يزل محبوسا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، فهاجر إلى المدينة وشهد بدرا ثم أحدا ومعه اللواء فاستشهد -رضي الله عنه- (مقبلا وعليه إهاب كبش) ، أي: جلده (قد تنطق به) ، أي: جعله كهيئة النطاق (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الرجل الذي نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون) .
قال العراقي: متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود بنحوه اهـ . قلت: حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رواه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في رواية معين، nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي بزيادة: وأنت مع من أحببت وقال: صحيح ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بزيادة: وله ما اكتسب، وقال: غريب، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فرواه الشيخان، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى، فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والشيخان والقشيري في رسالته قال: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك، حدثنا الحسن بن حماد بن فضالة، حدثنا يحيى بن حبيب، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن nindex.php?page=showalam&ids=16115أبي وائل، nindex.php?page=hadith&LINKID=664679عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: المرء مع من أحب، وقد روي ذلك من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر وجابر وعروة بن مضرس وصفوان بن عسال، وصفوان بن قدامة، وابن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ، فحديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رواه nindex.php?page=showalam&ids=12289ابن منيع، nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رواه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12119وأبو عوانة، وحديث عروة بن مضرس رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، والشيرازي في الألقاب nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر، وحديث صفوان بن عسال رواه nindex.php?page=showalam&ids=14724الطيالسي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، وقال: حسن صحيح، nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء، وحديث صفوان بن قدامة رواه nindex.php?page=showalam&ids=12119أبو عوانة nindex.php?page=showalam&ids=13433وابن قانع nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان، وحديث عبد الرحمن بن صفوان، وهو صحابي صغير رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا، (وقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: من ذاق من خالص محبة الله تعالى شغله ذلك عن طلب الدنيا وأوحشه عن جميع البشر، وقال الحسن) البصري -رحمه الله تعالى-: (من عرف ربه أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها) ، فالمحبة والزهد من ثمرات المعرفة قال: (والمؤمن لا يلهو حتى يفعل، فإذا تفكر حزن، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني) -رحمه الله تعالى-: (إن من خلق الله خلقا ما يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه، فكيف يشغلون عنه بالدنيا) نقله صاحب القوت، (ويروى أن عيسى -عليه السلام- مر) في سياحته (بثلاثة نفر) من العباد (قد نحلت أبدانهم) ، أي: ضعفت (وتغيرت ألوانهم فقال لهم: ما الذي بلغ بكم ما أرى) من النحول والتغير؟ (فقالوا: الخوف من النار، فقال: حق على الله أن يؤمن الخائف) مما يخاف، (ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين، فإذا هم أشد نحولا وتغيرا) من أولئك، (فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا: الشوق إلى الجنة، فقال: حق على الله أن يعطيكم [ ص: 550 ] ما ترجون، ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين، فإذا هم أشد نحولا وتغيرا) من أولئك، (وكأن على وجوههم المرائي من النور) ، أي: تلمع وجوههم إضاءة كإضاءة المرائي، (فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ قالوا: نحب الله عز وجل) لم نعبده خوفا من ناره ولا شوقا إلى جنته، (فقال: أنتم المقربون أنتم المقربون أنتم المقربون) ، نقله صاحب القوت بلفظ: وقد احترقوا من العبادة كأنهم الشنان البالية فقال لهم: ما أنتم؟ فقالوا: نحن عباد، قال: فلأي شيء تعبدتم؟ فقالوا: خوفنا الله من ناره فخفنا منها .
(وقال عبد الواحد بن زيد) البصري العابد: (مررت برجل قائم في الثلج) في يوم بارد (فقلت) له: (أما تجد البرد) فتنتقل عنه، (فقال: من شغله حب الله لم يجد البرد و) يروى (عن سري) بن المفلس (السقطي) -رحمه الله تعالى- (قال: تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها عليهم السلام فيقال: يا أمة موسى ويا أمة عيسى ويا أمة محمد) صلى الله عليه وسلم (غير المحبين لله، فإنهم ينادون: يا أولياء الله، هلموا إلى الله سبحانه فتكاد قلوبهم تنخلع فرحا) حيث خوطبوا بذلك الخطاب، (وقال هرم بن حيان) العبدي: قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر: هو من صغار الصحابة وعده nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في الزهاد الثمانية من كبار التابعين (المؤمن إذا عرف ربه -عز وجل- أحبه، وإذا أحبه أقبل إليه) برحمته، (وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة، ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة، وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة، وقال يحيى بن معاذ) الرازي -رحمه الله تعالى-: (عفوه) تعالى (يستغرق الذنوب، فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال، فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول، فكيف وده؟ ووده ينسي ما دونه، فكيف لطفه؟ وفي بعض الكتب) المنزلة أن الله تعالى يقول: (عبدي أنا، وحقك لك محب، فبحقي عليك كن لي محبا) قال nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري: رأيت ذلك بخط الأستاذ أبي علي -رحمه الله تعالى- يعني الدقاق، (وقال يحيى بن معاذ) الرازي -رحمه الله تعالى- (مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب) نقله nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري في الرسالة، (وقال nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ) أيضا في جملة ما كان يخاطب به مولاه (إلهي إني مقيم بفنائك مشغول بثنائك، صغيرا أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني في الأحوال، وقلبتني في الأعمال سترا وتوبة وزهدا وشوقا ورضا وحبا تسقيني من حياضك، وتهملني في رياضك ملازما لأمرك، ومشغوفا بقولك ولما طر شاربي) ، أي: بقل (ولاح طائري فكيف أنصرف عنك اليوم كبيرا، وقد اعتدت هذا منك صغيرا، فلي ما بقيت حولك دمدمة وبالضراعة إليك همهمة) والدمدمة الحركة الخفية، والهمهمة الصوت الخفي; (لأني أحبك وكل محب بحبيبه مشغوف، وعن غير حبيبه مصروف) ، وله مثل هذا الكلام في الرجاء، وكانت وفاته سنة 358، (وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر، وذلك أمر ظاهر، وإنما الغموض في تحقيق معناه، فلنشتغل به) فإنه أكيد، والله الموفق .