أحب لحبها سود الكلاب
مشهورة؛ فهذا الذي ذكره كله مما يتعلق بحب الله تعالى [ ص: 622 ] (فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما يكتنف بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه، وذلك ليس شركة في المحبة) وكمال المحبة يقتضي رفع الاشتراك (فإن من أحب رسول المحبوب؛ لأنه رسوله و) أحب (كلامه؛ لأنه كلامه فلم يجاوز حبه إلى غيره، بل هو دليل على كمال حبه، ومن غلب حب الله على قلبه) وغمره بكليته (أحب جميع خلق الله؛ لأنهم خلقه) وتصنيفه وإبداعه (فكيف لا يحب القرآن والرسول وعباد الله الصالحين؟!) إلا أن المحبة في بعض الأفراد المذكورة بالوجوب كالقرآن والرسول وسائر الأنبياء والملائكة، وفي بعضها بالاستحباب كجميع المؤمنين على درجاتهم والطاعة، وفي بعضها يتأكد الاستحباب كحب خواص العباد من الأولياء والصالحين (وقد ذكرنا تحقيق هذا في كتاب الأخوة والصحبة؛ ولذلك قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) فإن قلت: فلم لا كانت محبة الطاعة واجبة وكذا محبة الأولياء؟ فأقول: الوجوب مبني على أصل الإيمان لا على كمال الإيمان، ولا تتقوى المحبة حتى تتعدى إلى ما يتعلق بالمحبوب إلا بكمال الإيمان، وذلك لو وقعت الطاعة بباعث الخوف أو الرجاء قام الإجماع على صحتها وقبولها، وفيما ذكرناه نظر لتجاذب المسألة بين ما قلناه وبين أن الطاعة فرع المحبة، والمحبة واجبة، وعسى الله أن يكشف عن الحق في ذلك، فإن قلت: هذا يدل على أن بعض المؤمنين ليس بحرام، فأقول: نفس البغض مكروه وبعضه أشد كراهة من بعض على حسب درجة الولي لكن للبغض آثار باطنة وآثار ظاهرة، فلو طلب زوال النعمة عنه بسبب بغضه حرم عليه ذلك، ولو تكلم بما ينقصه أو يقدح في عرضه حرم عليه ذلك، وبعض هذه المهلكات أقبح من بعض (وقال -صلى الله عليه وسلم-: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لله تعالى) رواه من حديث الترمذي بلفظ: ابن عباس وأحبوني لله، وأحبوا أهل بيتي لحبي. وقد تقدم (وقال سفيان: من أحب بالله تعالى فإنما أحب الله، ومن أكرم بكرم الله تعالى فإنما يكرم الله تعالى) نقله صاحب القوت إلا أنه قال: وقال سفيان وغيره: من أحب الله تعالى فإنما أحب الله .. إلخ (وحكي عن بعض المريدين قال: كنت قد وجدت حلاوة المناجاة في سن الإرادة) أي: في أول السلوك ونشاطه (فأدمنت) أي: داومت على (قراءة القرآن ليلا ونهارا ثم لحقتني فترة) أي: سكون (فانقطعت عن التلاوة، قال: فسمعت قائلا يقول في المنام: إن كنت تزعم أنك تحبني فلم جفوت كتابي؟! أما تدبرت) ولفظ القوت: أما ترى (ما فيه من لطيف عتابي؟! قال: فانتهيت، وقد أشرب في قلبي محبة القرآن فعاودت إلى حال) الأولى من الإدمان على التلاوة. نقله صاحب القوت، زاد: وقال بعض العارفين: لا يكون العبد مريدا حتى يجد في القرآن كل ما يريد (وقال -رضي الله عنه-: (لا ينبغي أن يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله -عز وجل- وإن لم يكن يحب القرآن فليس يحب الله. وقال: سهل) التستري (رحمة الله تعالى عليه: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب الله وحب القرآن حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلامة حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حب السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا أن لا يأخذ منها إلا زادا وبلغة إلى الآخرة) نقله صاحب القوت . ابن مسعود)