المرابطة الثالثة محاسبة النفس بعد العمل ولنذكر فضيلة المحاسبة ثم حقيقتها .
أما الفضيلة فقد قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد وهذه إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وفي الخبر أنه عليه السلام جاءه رجل فقال يا رسول الله أوصني فقال أمستوص أنت فقال نعم قال إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فامضه وإن كان غيا فانته عنه وفي الخبر وينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه وقال تعالى : وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون والتوبة نظر في الفعل بعد الفراغ منه بالندم عليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم مائة مرة وقال الله تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب قدميه بالدرة إذا جنه الليل ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم وعن nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران أنه قال لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه والشريكان يتحاسبان بعد العمل وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر رضوان الله عليه قال لها عند الموت ما أحد من الناس أحب إلي من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ثم قال لها كيف قلت فأعادت عليه ما قال فقال لا أحد أعز علي من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة غيرها وحديث أبي طلحة حين شغله الطائر في صلاته فتدبر ذلك فجعل حائطه صدقة لله تعالى ندما ورجاء للعوض مما فاته .
وفي حديث ابن سلام أنه حمل حزمة من حطب فقيل له يا أبا يوسف قد كان في بنيك وغلمانك ما يكفونك هذا فقال أردت أن أجرب نفسي هل تنكره وقال الحسن المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ثم فسر المحاسبة فقال إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إنك لتعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات حيل بيني وبينك وهذا حساب قبل العمل ثم قال ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردت بهذا والله لا أعذر بهذا والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله وقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك سمعت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوما وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في الحائط nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك وقال الحسن في قوله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة قال لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماذا أردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي ماذا أردت بشربتي والفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى رحم الله عبدا قال لنفسه ألست صاحبة كذا ألست صاحبة كذا ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان له قائدا وهذا من معاتبة النفس كما سيأتي في موضعه وقال nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح وقال إبراهيم التميمي مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي يا نفس أي شيء تريدين فقالت أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قلت فأنت في الأمنية فاعملي وقال مالك بن دينار سمعت الحجاج يخطب وهو يقول رحم الله امرأ حاسب نفسه قبل أن يصير الحساب إلى غيره رحم الله امرأ أخذ بعنان عمله فنظر ماذا يريد به رحم الله امرأ نظر في مكياله رحم الله امرأ نظر في ميزانه فما زال يقول حتى أبكاني وحكى صاحب nindex.php?page=showalam&ids=13669للأحنف بن قيس قال كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل الدعاء وكان يجيء إلى المصباح فيضع أصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ما صنعت يوم كذا .
(المرابطة الثالثة محاسبة النفس بعد العمل ) ولواحقها الاعتصام والاستقامة (ولنذكر فضيلة المحاسبة ثم حقيقتها أما الفضيلة فقد قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) ليوم القيامة سماه به لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة غده وتنكيره للتعظيم وأما تنكير نفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك (وهذه إشارة إلى أن المحاسبة على ما مضى من الأعمال ) أي : أنها تدل على النظر بعد الفراغ من العمل (ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من طريق ثابت بن الحجاج وقد تقدم قريبا (وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال يا رسول الله أوصني فقال استوص أنت ) أي : قابل وصيتي (فقال نعم قال إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فامضه وإن كان غيا فانته عنه ) تقدم [ ص: 112 ] للمصنف ذلك قريبا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت وهو في كتاب الزهد nindex.php?page=showalam&ids=16418لابن المبارك من مرسل أبي جعفر الهاشمي وتقدم الكلام عليه (وفي الخبر وينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه ) تقدم قريبا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر .
(وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ) إنه ليغان على قلبي و (إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم مائة مرة ) تقدم غير مرة .
(وقال الله تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) وذكر الكمال الصوفي أن هذه الآية تدل على النظر في بداية العمل (و ) يروى (عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب قدميه بالدرة إذا جنه الليل ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم ) وهذا يدل على المحاسبة بعد العمل (و ) يروى (عن nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران ) الجزري العابد (أنه قال لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه والشريكان ) إنما (يتحاسبان بعد العمل وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضوان الله عليه قال لها عند الموت ما أحد من الناس أحب إلي من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ثم قال لها كيف قلت فأعادت عليه ما قال فقال ما أحد أعز علي من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ) فأبدل أحب بأعز (فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة غيرها ) وبين الكلمتين فرق كبير (وحديث أبي طلحة ) زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه (حين شغله الطائر في صلاته ) بأن أتبع نظره إليه حتى لم يدر كم صلى (فتدبر ذلك فجعل حائطه صدقة لله تعالى ندما ورجاء للعوض عما فاته ) وهذا عقوبة التقصير وهي سنة الأولياء وقد تقدم في كتاب الصلاة (وفي حديث ) عبد الله (بن سلام ) رضي الله عنه (أنه حمل حزمة من حطب فقيل له يا nindex.php?page=showalam&ids=14954أبا يوسف قد كان في بنيك وغلمانك ما يكفونك هذا فقال أردت أن أجرب نفسي هل تنكره ) فهذه محاسبة بعد العمل وكان له من الأولاد يوسف وعبد الله وفي الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص قال nindex.php?page=hadith&LINKID=653528ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره مات بالمدينة سنة 43 .
(وقال الحسن ) البصري رحمه الله تعالى (المؤمن قوام على نفسه ) أي : كثير القيام عليها والمراعاة لها (يحاسبها لله وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ثم فسر المحاسبة فقال إن المؤمن يفجؤه الشيء ) أي : يرد عليه بغتة (يعجبه فيقول والله إنك لتعجبني وإنك لمن حاجتي ولكن هيهات حيل بيني وبينك ) أي : فيتركه (وهذا حساب قبل العمل ثم قال ويفرط منه الشيء ) أي : يصدر منه بدارا (فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردت بهذا والله لا أعذر بهذا ) أي : لا يقبل عذري (والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله ) تعالى فهذا حساب بعد العمل .
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ) رضي الله عنه (سمعت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما وقد خرج ) لحاجته (وخرجت معه فدخل حائطا ) من الحيطان (فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في الحائط ) إذ تخلفت عنه nindex.php?page=showalam&ids=2 (عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو يعذبنك ) فهذا منه محاسبة للنفس .
(وقال الحسن ) البصري رحمه الله تعالى (في قوله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة قال لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماذا أردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي [ ص: 113 ] ماذا أردت بشربتي والفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه ) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا في كتاب مجاهدة النفس وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال بالنفس اللوامة تندم على ما فات وتلوم عليه رواه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وروي مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر .
(وقال ) أبو يحيى (مالك بن دينار ) البصري العابد رحمه الله تعالى (رحم الله عبدا قال لنفسه ألست صاحبة كذا ألست صاحبة كذا ثم زمها ) أي : حبسها وكفها كما تحبس الناقة بالزمام (ثم خطمها ) كما تخطم الناقة ثم (ألزمها كتاب الله تعالى فكان له قائدا وهذا من معاتبة النفس ) كما سيأتي في موضعه .
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران ) الجزري العابد (التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ) أي : ظالم يجور في حسابه مع رعيته (ومن شريك شحيح ) محب للدنيا .
(وقال إبراهيم ) بن يزيد بن الحارث (التميمي ) رحمه الله تعالى (مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي يا نفسي أي شيء تريدين فقالت أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قلت فأنت في الأمنية فاعملي ) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا .
(وقال ) أبو يحيى (مالك بن دينار ) البصري رحمه الله تعالى (سمعت الحجاج ) بن يوسف الثقفي وهو أمير البصرة (يخطب ) على المنبر (وهو يقول رحم الله امرأ حاسب نفسه قبل أن يصير الحساب إلى غيره امرأ أخذ بعنان عمله فنظر ماذا يريد به امرأ نظر في مكياله امرأ نظر في ميزانه فما زال يقول امرأ امرأ حتى أبكاني ) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا (وحكى صاحب nindex.php?page=showalam&ids=13669للأحنف بن قيس ) التميمي رضي الله عنه له صحبة (قال كنت أصحبه فقال كان عامة صلاته بالليل الدعاء وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه يا حنيف ) وهو تصغير أحنف بإسقاط الزائد (ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ما صنعت يوم كذا ) يعاتب نفسه بذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس .