مهما حاسب نفسه فلم تسلم عن مقارفة معصية وارتكاب تقصير في حق الله تعالى فلا ينبغي أن يهملها فإنه إن أهملها سهل عليه مقارفة المعاصي وأنست بها نفسه وعسر عليه فطامها وكان ذلك سبب هلاكها بل ينبغي أن يعاقبها فإذا أكل لقمة شبهة بشهوة نفس ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع وإذا نظر إلى غير محرم ينبغي أن يعاقب العين بمنع النظر وكذلك يعاقب كل طرف من أطراف بدنه بمنعه عن شهواته .
هكذا كانت عادة سالكي طريق الآخرة فقد روي عن منصور بن إبراهيم أن رجلا من العباد كلم امرأة فلم يزل حتى وضع يده على فخذها ثم ندم فوضع يده على النار حتى يبست وروي أنه كان في بني إسرائيل رجل يتعبد في صومعته فمكث كذلك زمانا طويلا فأشرف ذات يوم فإذا هو بامرأة فافتتن بها وهم بها فأخرج رجله لينزل إليها فأدركه الله بسابقه فقال ما هذا الذي أريد أن أصنع فرجعت إليه نفسه وعصمه الله تعالى فندم فلما أراد أن يعيد رجله إلى الصومعة قال هيهات هيهات رجل خرجت تريد أن تعصي الله تعود في صومعتي لا يكون والله له ذلك أبدا فتركها معلقة في الصومعة تصيبها الأمطار والرياح والثلج والشمس حتى تقطعت فسقطت فشكر الله له ذلك وأنزل في بعض كتبه ذكره ويحكى عن الجنيد قال سمعت ابن الكريبي يقول أصابتني ليلة جنابة فاحتجت أن أغتسل وكانت ليلة باردة فوجدت في نفسي تأخرا وتقصيرا فحدثتني نفسي بالتأخير حتى أصبح وأسخن الماء أو أدخل الحمام ولا أعني على نفسي فقلت واعجباه أنا أعامل الله في طول عمري فيجب له على حق فلا أجد في المسارعة وأجد الوقوف والتأخر آليت أن لا أغتسل إلا في مرقعتي هذه وآليت أن لا أنزعها ولا أعصرها ولا أجففها في الشمس ويحكى أن غزوان وأبا موسى كانا في بعض مغازيهما فتكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى بفرت وقال إنك للحاظة إلى ما يضرك .
ونظر بعضهم نظرة واحدة امرأة فجعل على نفسه أن لا يشرب الماء البارد طول حياته فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش .
ويحكى أن حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها .
وقال مالك بن ضيغم جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر فقلنا إنه نائم فقال أنوم هذه الساعة هذا وقت نوم ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا وقلنا له ألا نوقظه لك فجاء الرسول وقال هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول: أقلت وقت نوم هذه الساعة أفكان هذا عليك ينام الرجل متى شاء وما يدريك أن هذا ليس وقت نوم تتكلمين بما لا تعلمين أما إن لله علي عهد ألا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض حائل أو لعقل زائل سوأة لك أما تستحين كم توبخين وعن غيك لا تنتهين قال وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته .
ويحكى عن تميم الداري أنه نام ليلة لم يقم فيها يتهجد فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع .
ثم إن العبد إذا حاسب نفسه فرآها خانت وضيعت لزمه أمور أحدها أن يتدارك بالتوبة والجبر وقد تقدم فإن لم يستطع لغلبة الشهوة عالج نفسه بالمعاقبة وإليه أشار المصنف فقال (المرابطة الرابعة في معاقبة النفس على تقصيرها ) اعلم أنه (مهما حاسب ) العبد (نفسه فلم تسلم عن مقارفة معصية ) أي : ملابستها (وارتكاب تقصير في حق الله تعالى فلا ينبغي أن يهملها ) أي : يتركها هملا (فإنه إن أهملها سهل عليه مقارفة المعاصي وأنست بها نفسه ) وألفتها (وعسر عليه ) حينئذ (فطامها ) فإن الأنس بالشيء يوجب الجمود عليه (وكان ذلك سبب هلاكه بل ينبغي أن يعاقبها ) بما يلائم جنس الذنب ويقابله فإن لكل مرض علاجا (فإذا أكل لقمة شبهة بشهوة نفس ) فإنه (ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع وإذا نظر إلى غير محرم فينبغي أن يعاقب العين بمنع النظر ) بأن لا يفتحها (وكذلك يعاقب كل طرف من أطراف بدنه بمنعه عن شهواته هكذا كانت عادة سالكي طريق الآخرة فقد روي عن منصور بن إبراهيم ) رحمه الله تعالى (أن رجلا من العباد كلم امرأة ) أجنبية (فلم يزل حتى وضع يده على فخذها ثم ندم ) على ما صنع (فوضع يده على النار حتى فشت ) أي : يبست (وروي ) في بعض الأخبار (أنه كان في بني إسرائيل رجل يتعبد في صومعته فمكث بذلك زمانا طويلا فأشرف ذات يوم ) من طاقة في تلك الصومعة (فإذا هو بامرأة فافتتن بها ) لبراعتها في الجمال (وهم بها فأخرج رجله لينزل إليها فأدركه الله بسابقة ) من عنايته فتذكر (فقال ما هذا الذي أريد أن أصنع فرجعت إليه نفسه وعصمه الله تعالى فندم فلما أراد أن يعيد رجله إلى الصومعة قال هيهات هيهات رجل خرجت تريد أن تعصي الله تعود معي في صومعتي لا يكون والله ذلك أبدا فتركها معلقة من الصومعة تصيبها الأمطار والرياح والثلج والشمس حتى ) يبست و (تقطعت فسقطت فشكر الله له ذلك وأنزل في بعض كتبه ذكره ويحكى عن ) أبي القاسم (الجنيد ) قدس سره أنه (قال سمعت ابن الكرتني ) هو شيخه وقد تقدم ذكره وأنه منسوب إلى كرتنا ناحية بخراسان ترجمه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في تاريخه (يقول أصابتني ليلة جنابة احتجت أن أغتسل وكانت [ ص: 116 ] ليلة باردة فوجدت في نفسي تأخرا وتقصيرا فحدثتني نفسي بالتأخير حتى أصبح وأسخن الماء أو أدخل الحمام ولا أعين على نفسي ) بالهلاك (فقلت واعجباه أنا أعامل الله في طول عمري فيجب على حق ) من حقوقه (فلا أجد في المسارعة وأجد الوقوف والتأخر آليت أن لا أغتسل إلا في مرقعتي هذه وآليت أن لا أنزعها ولا أعصرها ولا أجففها في الشمس ) وهذه معاقبة تامة على النفس (ويحكى أن غزوان وأبا موسى ) إن كان أبو موسى هو الأشعري الصحابي فاسمه عبد الله بن قيس ولا أعرف في الصحابة من اسمه غزوان وفي التابعين غزوان بن عتبة بن غزوان المازني روى عن أبيه حديثا عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وأبوه صحابي مشهور فيحتمل أن يكون هو المراد هنا والله أعلم (كانا في ) بعض (مغازيهم فتكشفت ) لهما (جارية ) جميلة الصورة (فنظر إليها غزوان ) نظر شهوة ثم رجع فندم (فرفع يده فلطم عينه ) لطمة (حتى نفرت ) من موضعها .
(وقال إنك للحاظة إلى ما يضرك ) ثم ظهر لي أن صاحب القصة مع nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى هو nindex.php?page=showalam&ids=364عتبة بن غزوان فقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا محمود بن خالد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي حدثني هارون بن رياب عن عتبة بن غزوان الرقاشي قال قال لي أبو موسى ما لي أرى عينك نافرة فقلت إني التفت التفاتة فرأيت جارية لبعض الجيش فلحظتها لحظة فصككتها صكة فنفرت فصارت إلى ما ترى فقال استغفر ربك ظلمت عينك أن لها أول نظرة وعليك ما بعدها (و ) قد تكون العاقبة على خلاف جنس المعصية وإنما هي على حسب ما اقتضاه رأي المعاقب كما حكي أنه (نظر بعضهم نظرة واحدة إلى امرأة ) أجنبية وكأنه قصد بها تلذذ النفس فندم (فجعل على نفسه أن لا يشرب الماء البارد طول حياته فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش ويحكى أن حسان بن أبي سنان ) البصري العابد روى له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا في البيوع فقال وقال حسان بن أبي سنان ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (مر بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها ) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الجبار بن النضر السلمي قال مر حسان بغرفة فقال مذ كم بنيت ثم رجع إلى نفسه فقال وما عليك مذ كم بنيت تسألين عما لا يعنيك فعاقبها بصوم سنة وروي أيضا من طريق أبي حكيم أن حسانا خرج يوم العيد فلما رجع قالت له امرأته كم من امرأة حسنة قد نظرت إليها اليوم فلما أكثرت قال ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك .
(وقال مالك بن ضيغم ) الجلاب البصري (جاء nindex.php?page=showalam&ids=15906رياح القيسي ) هو أبو المهاصر رياح بن عمر وروى عن حسان بن أبي سنان nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني nindex.php?page=showalam&ids=16205وصالح المري nindex.php?page=showalam&ids=16871ومالك بن دينار وغيرهم وعنه أحمد بن يونس nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ترجمه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية (يسأل عن أبي ) وهو ضيغم الجلاب له ذكر في الشعب nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي في باب المحبة (بعد العصر فقلنا إنه نائم فقال نوم هذه الساعة هذا وقت نوم ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا وقلنا ألا نوقظه لك فجاء الرسول وقال هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاقب نفسه ويقول أقلت وقت نوم هذه الساعة أفكان هذا عليك ينام الرجل متى شاء وما يدريك أن هذا ليس وقت نوم تتكلمين بما لا تعلمين أما إن لله علي عهد ألا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض حائل أو لعقل زائل سوأة لك أما تستحيين كم توبخين وعن غيك لا تنتهين قال وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته ) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية فقال حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى الموصلي حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني حدثنا مالك بن ضيغم قال جاءنا nindex.php?page=showalam&ids=15906رياح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر فقلنا هو نائم فقال أنوم هذه الساعة هذا وقت نوم ثم ولى فأتبعناه فقلنا الحقه فقل نوقظه لك قال فجاءنا بعد المغرب فقلنا أبلغته قال هو كان أشغل من أن يفهم عني أدركته وهو [ ص: 117 ] يدخل المقابر وهو يوبخ نفسه ويقول أقلت أي نوم هذا لينم الرجل متى شاء تسألين عما لا يعنيك أما إن لله عز وجل علي عهد ألا أنقضه فيما بيني وبينه أبدا لا أوسدك لنوم حولا قال فلما سمعت هذا منه تركته وانصرفت (ويحكى أن ) أبا رقية (تميم ) بن أوس بن خارجة (الداري ) رضي الله عنه كان بالمدينة ثم انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان ونزل بيت المقدس ومات بالشام روى له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا والجماعة (نام ليلة لم يقم يتهجد فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع ) .
رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب من طريق المنكدر عن أبيه أن nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن محمد بن الحسين حدثني يونس بن يحيى الأموي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه أن nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري نام ليلة لم يتهجد فيها حتى أصبح فقام سنة فلم ينم فيها عقوبة للذي صنع وفي خبر ابن حيوة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين كان تميم يقرأ القرآن في ركعة وفي طبقات ابن سعد عن أبي قلابة كان تميم يختم القرآن في سبع ليال وقد تقدم (وعن طلحة ) اختلف فيه فقيل هو الصحابي أحد العشرة وقيل هو nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف كما سيأتي في بيان الاختلاف فيه عقيب الحديث (قال انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرغ في الرمضاء ) أي : الرمل الحار (فكان يقول لنفسه ذوقي نار جهنم أشد حرا أجيفة بالليل بطالة بالنهار فبينما هو كذلك إذا بصر النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فأتاه فقال غلبتني نفسي ) أي : فقهرتها بهذا العمل وكأنه يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=944013ألم يكن لك بد من الذي صنعت أما لقد فتحت لك أبواب السماء ولقد باهى الله بك الملائكة ثم قال لأصحابه تزودوا من أخيكم فجعل الرجل يقول له يا فلان ادع لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم عمهم فقال اللهم اجعل التقوى زادهم واجمع على الهدى أمرهم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم سدده فقال الرجل اللهم اجعل مآبهم الجنة ) قال العراقي رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم عنه وهذا منقطع أو مرسل ولا أدري من طلحة هذا إلا أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف وإلا فهو مجهول وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث بريدة متصلا نحوه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=944013بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له إذ أتى على رجل يتقلب في الرمضاء ظهرا لبطن ويقول نوم بالليل وباطل بالنهار وترجين الجنة الحديث . اهـ . قلت وقوله وهذا منقطع أو مرسل يعني به إن كان طلحة صحابيا فليث لم يدركه فهو منقطع بينهما وإن كان هو nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف فروايته عن الصحابة وعن كبار التابعين فهو مرسل ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في سننه حديثا عن طلحة عن أبيه عن جده فقيل هو nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي وقيل وإلا فهو مجهول وذكر الذهبي أن مصرف بن عمرو عن أبيه مجهول وعمرو بن كعب وقيل كعب بن عمرو صحابي مختلف فيه .