اعلم أن كل ما في الوجود مما سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه وكل ذرة من الذرات من جوهر وعرض وصفة وموصوف ففيها عجائب وغرائب تظهر بها حكمة الله وقدرته وجلاله وعظمته ، وإحصاء ذلك غير ممكن ، لأنه لو كان البحر مدادا لذلك لنفد البحر قبل أن ينفد عشر عشيره .
، ولكنا نشير إلى جمل منه ليكون ذلك كالمثال لما عداه .
وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحس البصر وإلى ما لا ندركه بالبصر ، أما الذي لا ندركه بالبصر فكالملائكة والجن والشياطين والعرش والكرسي وغير ذلك .
ومجال الفكر في هذه الأشياء مما يضيق ويغمض .
فلنعدل إلى الأقرب إلى الأفهام ، وهي المدركات بحس البصر ، وذلك هو السموات السبع والأرض وما بينهما فالسموات ، مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها ، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها ، وما بين السماء والأرض وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشهبها وعواصف رياحها .
فهذه هي الأجناس المشاهدة من السماوات والأرض وما بينهما وكل ، جنس منها ينقسم إلى أنواع وكل نوع ينقسم إلى أقسام ، ويتشعب كل قسم إلى أصناف .
ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامه في اختلاف صفاته وهيئاته ومعانيه الظاهرة والباطنة ، وجميع ذلك مجال الفكر .
فلا تتحرك ذرة في السماوات والأرض من جماد ولا نبات ولا حيوان ولا فلك ولا كوكب إلا والله تعالى هو محركها ، وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف حكمة ، كل ذلك شاهد لله تعالى بالوحدانية ودال على جلاله وكبريائه ، وهي الآيات الدالة عليه .
(اعلم) نور الله قلبك (أن كل ما في الوجود مما سوى الله تعالى فهو فعل الله تعالى وخلقه) قال تعالى: والله خلقكم وما تعملون وليس في الوجود إلا الله تعالى (وكل ذرة من الذرات من جوهر وعرض وصفة وموصوف ففيها عجائب وغرائب) ، ومصاعد للأفكار ومراقي الاعتبار (تظهر بها حكمة الله تعالى وقدرته وجلاله وعظمته، وإحصاء ذلك غير ممكن، لأنه لو كان البحر مدادا لذلك) ، والأشجار أقلاما للكتابة (لنفد البحر قبل أن ينفد عشر عشيرة، ولكنا نشير إلى جمل منه ليكون ذلك كالمثال لما عداه فنقول: الموجودات المخلوقة منقسمة إلى ما لا يعرف أصلها فلا يمكننا التفكر فيها، وكم من الموجودات التي لا نعلمها كما قال الله تعالى ويخلق ما لا تعلمون ، وقال) تعالى: ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها ) الأنواع والأصناف، ( مما تنبت الأرض ) من النبات والشجر ( ومن أنفسهم ) الذكر والأنثى ( ومما لا يعلمون ) أي: وأزواجا مما لا يطالعهم الله عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته .
(وقال) تعالى: ( وننشئكم في ما لا تعلمون وإلى ما يعرف أصلها وجملتها، ولا يعرف تفصيلها فيمكننا أن نتفكر في تفصيلها وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحس البصر وإلى ما لا تدركه بالبصر، أما الذي لا ندركه بالبصر فكالملائكة والجن والشياطين والعرش والكرسي وغير ذلك، ومجال الفكر في هذه الأشياء مما يضيق ويغمض، فلنعدل إلى الأقرب إلى الأفهام، وهي المدركات بحس البصر، وذلك هو السماوات السبع والأرض وما بينهما، فالسماوات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها [ ص: 184 ] وحيوانها ونباتها، وما بين السماء والأرض وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشبهها وعواصف رياحها، فهذه من الأجناس المشاهدة من السماوات والأرض وما بينهما، كل جنس منها ينقسم إلى أنواع وكل نوع ينقسم إلى أقسام، ويتشعب كل قسم إلى أصناف، ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامه في اختلاف صفاته وهيئاته ومعانيه الظاهرة والباطنة، وجميع ذلك مجال الفكر فلا تتحرك ذرة في السماوات والأرض من جماد ولا نبات ولا حيوان ولا فلك ولا كوكب إلا والله تعالى هو محركها، وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف حكمة، كل ذلك شاهد لله تعالى بالوحدانية ودال على جلاله وكبريائه، وهي الآيات الدالة عليه) .
وقال المصنف في الجواهر والدرر: وأما الأفعال فبحر متسع الأكناف، ولا ينال باستقصاء أطرافه، بل ليس في الوجود إلا الله تعالى وأفعاله وكل ما سواه فعله، لكن القرآن إن اشتمل على الجمل منها الواقع في عالم الشهادة كذكر الكواكب والأرضين والجبال والبحار والحيوان والنبات وإنزال الماء الفرات وسائر ضروب النبات، وما ذكره من الحياة وهي التي ظهرت للحس فأعرف أفعاله وأعجبها وأدلها على جلالة صانعها ما لا يظهر للحس، بل هو من عالم الملكوت وهي الملائكة والروحانيات والروح والقلب أعني العارف بالله تعالى من جملة أجزاء الآدمي، فإنها أيضا من عالم الغيب والملكوت وخارج من عالم الملك والشهادة، ومنها الملائكة الأرضية الموكلة بجنس البشر وهي التي سجدت لآدم عليه السلام، ومنها الشياطين المسلطة على جنس الإنس وهي التي امتنعت من السجود له، ومنها الملائكة السماوية وأعلى منهم الكروبيون، وهم العاكفون في حضرة القدس لا التفات لهم إلى الآدميين بل لا التفات لهم إلى غير الله تعالى لاستغراقهم بجمال الحضرة الربوبية وبجلالها، فهم قاصرون عليه لحاظهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون .
واعلم أن أكثر أفعال الله تعالى وأشرفها لا يعرفها أكثر الخلق، بل إدراكهم مقصور على عالم الحس والتخيل وهو القشر الأقصى من اللب الأصفى، ومن لم يجاوز هذه الدرجة فكأنه لم يشاهد من الرمان إلا قشرته ومن عجائب الإنسان إلا بشرته. اهـ .