وأما الآثار : فقال ابن عباس رضي الله عنهما ذللت طالبا فعززت مطلوبا وكذلك قال ابن أبي مليكة رحمه الله ما رأيت مثل ابن عباس ، إذا رأيته رأيت أحسن الناس وجها ، وإذا تكلم فأعرب الناس لسانا وإذا أفتى فأكثر الناس علما .
وقال ابن المبارك رحمه الله عجبت لمن لم يطلب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة وقال بعض الحكماء إني لا أرحم رجالا كرحمتي لأحد رجلين رجل يطلب العلم ولا يفهم ورجل يفهم العلم ولا يطلبه .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه لأن أتعلم مسألة أحب إلي من قيام ليلة .
وقال أيضا : : " كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك " وقال عطاء مجلس علم يكفر سبعين مجلسا من مجالس اللهو .
وقال عمر رضي الله عنه موت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت عالم بصير بحلال الله وحرامه .
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله كنت عند مالك أقرأ عليه العلم ، فدخل الظهر فجمعت الكتب لأصلي فقال يا هذا ما الذي قمت إليه بأفضل مما كنت فيه إذا صحت النية .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله .
(وأما الآثار: قال) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما (ذللت طالبا) أي: صرت ذليلا في حال الطلب للعلم، كأنه يقول: أهنت نفسي واخترت المشقة في طلب العلم (فعززت مطلوبا) أي: فصرت عزيزا في حال كوني مطلوبا، ويدل لذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير، كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم، وهو والد الأخير، قال: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=17389يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل: هلم فلنتعلم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم كثير، فقال: العجب والله لك يا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من ترى من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتركت ذلك، وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجده قائلا، فأتوسد ردائي على باب داره، تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إلي، فإذا رآني قال: يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لك؟ قلت: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأحببت أن أسمعه منك، فيقول: هلا أرسلت إلي فآتيك! فأقول: أنا كنت أحق أن آتيك، وكان ذلك الرجل يراني، فذهب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد احتاج الناس إلي، فيقول: أنت كنت أعلم مني.
(ولذلك قال) أبو بكر عبد الله بن عبد الله (بن أبي مليكة) وأبو مليكة اسمه زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي، كان أبو بكر مؤذن nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير وقاضيه، سمع nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس، وعنه أيوب nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث، قال: بعثني nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير على قضاء الطائف، فكنت أسأل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، توفي سنة ثمانية عشر ومائة: (ما رأيت مثل ابن عباس، إذا رأيته رأيت أحسن الناس وجها) وكان جميل الصورة (كأبيه، فإذا تكلم فأعرب الناس) أي: أفصحهم وأظهرهم (لسانا) وبيانا (فإذا أفتى فأكثر الناس علما) .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير، حدثنا أبو حمزة الثمالي، عن أبي صالح قال: لقد رأيت من nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرا، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب، قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال: ضع لي وضوءا، قال: فتوضأ وجلس، وقال: اخرج فقل: هلم، من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه فليدخل، فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا .
ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل، قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا .
ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، فقلت لهم: فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا .
[ ص: 102 ] ثم قال: اخرج فقل لهم: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل، فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا .
ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم .
قال أبو صالح: فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا لها، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس.
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك) تقدمت ترجمته: (عجبت لمن لم يطلب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة) بضم الراء، واحد المكارم، أي: لأن المكارم كلها في طلب العلم؛ فإنه العز الباقي، وما عداه يزول .
(وقال بعض الحكماء) وفي بعض النسخ: العلماء (إني لا أرحم رجلا كرحمتي لأحد رجلين رجل يطلب العلم ولا يفهم) أي: لا يتمكن من الفهم لأسراره وحقائقه، فهو أبدا في تعب، حقيق أن يرحم (ورجل يفهم) أي: أعطي ذهنا وقادا، وفكرة قابلة للفهم (ولا يطلب) إما كبرا أو حياء أو غير ذلك، فهو يضع نفسه، حري أن يرحم .
وقريب من هذين من طلب وفهم ولم يجد من يعلمه .
(وقال أبو الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسلم عقب بدر، وفرض له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فألحقه بالبدريين لجلالته، مات سنة اثنين وثلاثين (لأن أتعلم مسألة) أي: في الدين، أي: مسائل العلم (أحب إلي من قيام ليلة) .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية قيس بن عمار الرهيني، عن nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد، عن معداد، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
(وقال) أبو الدرداء (أيضا: العالم والمتعلم شريكان في الخير، وسائر الناس همج لا خير فيهم) الهمج محركة ذباب صغير كالبعوض يقع على وجوه الدواب، ويقال للرعاع همج على التشبيه، وهذا قد روي مرفوعا من حديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، والديلمي في مسند الفردوس بسند فيه معاوية بن يحيى الصدفي، إلا أنه ليس فيه همج، وقوله: "شريكان في الخير" أي: لاشتراكهما في نشر العلم، ونشره أعظم أنواع البر، وبه قوام الدنيا والدين .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة، عن منصور، عن nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال: "فإني أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون، فإن معلم الخير والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس بعدهما" .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=11997أبو خيثمة في كتاب العلم، عن جرير، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، عن nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد، فساقه، إلا أنه قال: "وليس في الناس خير بعده" وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم من رواية يحيى بن إسحاق، حدثنا فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال: "الناس ثلاثة: عالم أو متعلم والثالث همج، لا خير فيه".
وأخرج أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة عن nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء: "تعلموا فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس بعدهما".
وأخرج أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء: "يا أهل دمشق أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء" الحديث، وفيه: " ألا فتعلموا وعلموا؛ فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في الناس بعدهما" .
وأخرج أيضا من رواية الحجاج بن دينار، عن nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة، عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال: "تعلموا قبل أن يرفع العلم إن رفع العلم ذهاب العلماء، إن العالم والمتعلم في الأجر سواء، وإنما الناس رجلان عالم ومتعلم، ولا خير فيما بين ذلك".
(وقال) أبو الدرداء (أيضا: "كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن رابعا فتهلك") وفي بعض الروايات: "متبعا" بدل "متعلما" وقد روي مثل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أيضا .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الأوسط nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار في مسنده من رواية عطاء بن مسلم الخفاف، عن nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء، عن nindex.php?page=showalam&ids=16323عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=915173 "اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا، ولا تكن خامسا فتهلك".
ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي: تفرد به عطاء عن خالد، وإنما يروى عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء من قولهما، قال عطاء: قال لي nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر: زدتنا خامسة لم تكن عندنا، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر: الخامسة معاداة العلماء وبغضهم، ومن لم يحبهم فقد أبغضهم، أو قارب، وفيه الهلاك .
قال الهيثمي: ورجال الحديث موثقون، وتبعه السمهودي.
قال: [ ص: 103 ] المناوي: هو غير مسلم؛ فقد قال أبو زرعة العراقي الحافظ في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمسمائة من إملائه: هذا حديث فيه ضعف، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وعطاء بن مسلم مختلف فيه .
وقال عبيد عن nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود: إنه ضعيف، وقال غيره: إنه ليس بشيء. اهـ .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=11997أبو خيثمة في كتاب العلم وهو أول حديث الكتاب فقال: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، عن عثمان بن سلمة، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: "اغد عالما أو متعلما ولا تغدين ذلك".
وقال: حدثنا إسحاق بن سليمان، سمعت حنظلة يحدث عن عون، عن عبد الله قال: قلت nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز: "يقال: إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما، فإن لم تستطع فكن متعلما، فإن لم تكن متعلما فأحبهم، فإن لم تحبهم فلا تبغضهم، فقال عمر: سبحان الله! لقد جعل الله له مخرجا".
(ولنعم المجلس مجلس تذكر فيه الحكمة) أي يتذاكر بها فيه، والمراد بها العلوم الشرعية (وتنشر فيه الرحمة) أي: ما يكون سببا لنيل الرحمة، وهذه الجملة بتمامها سقطت من بعض النسخ .
(وقال عطاء) هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي أحد الإعلام، روى عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وخلق، وعنه nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث، مات سنة خمسة عشر ومائتين عن ثمان وثمانين: (مجلس ذكر) أعم من أن يكون مجلس علم، أو اجتمعوا يذكرون الله (يكفر سبعين مجلسا من مجالس اللهو) المراد به التكثير لا خصوص العدد، وقد ورد في كفارة المجالس أحاديث .
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (موت ألف عابد قائم الليل والنهار) أي في عبادة الله تعالى (أهون من موت عاقل بصير) أي: كامل العقل تامه متبصر (بحلال الله وحرامه) أي: بمعرفة ما أحل الله مما حرمه، وذلك لأن العابد نفعه من عبادته قاصر على نفسه، وأما العالم فإنه يفيد غيره، فيكون سببا لبقاء هذا الدين، والمراد بالعابد مع الجهل، أو الذي اشتغل بالعبادة مع علمه وترك التعليم .
(وقال) محمد بن إدريس nindex.php?page=showalam&ids=13790 (الشافعي) رحمه الله تعالى فيما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في شرف أصحاب الحديث من رواية الأصم قال: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=14356الربيع بن سليمان يقول: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول: (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة) وقال حرملة: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول: ما تقرب إلى الله عز وجل بعد أداء الفرائض بأفضل من طلب العلم .
(وقال) الفقيه أبو محمد عبد الله (بن عبد الحكم) بن أعين بن الليث مولى امرأة من موالي عثمان بن عفان، وهو من الطبقة الصغرى من أصحاب مالك من أهل مصر، أخذ عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وروى عنه الأكابر، وإليه انتهت الرياسة والجاه بمصر، وعليه نزل الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، فأكرمه، وعنده مات، مات سنة 214 عن ستين سنة، وأما ابنه محمد فقال ابن يونس: كان مفتي مصر، روى عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب وطائفة، وعنه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة والأصم، وآخرون، مات سنة ثمان وستين ومائتين: (كنت عند مالك) بن أنس الإمام بالمدينة (أقرأ عليه العلم، فدخل) وقت (الظهر فجمعت الكتب) وقمت (لأصلي) أي: النافلة كما يدل له السياق (فقال) مالك: (يا هذا ما الذي قمت إليه) من النافلة (بأفضل مما كنت فيه) من الاشتغال بالعلم (إذا صحت النية) بأن يكون تعلمه للعمل به لله تعالى، فنبه مالك بقوله هذا على فضل طلب العلم، وشرط فيه صحة النية .
وهذه القصة نسبها ابن القيم إلى nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، ولفظه: وقال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب: كنت عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، فحانت صلاة الظهر أو العصر، وأنا أقرأ وأنظر في العلم بين يديه، فجمعت كتبي وقمت لأركع، فقال لي مالك: ما هذا؟ فقلت: أقوم إلى الصلاة، فقال: إن هذا لعجب! ما الذي قمت إليه أفضل من الذي كنت فيه إذا صحت النية .
وبمثل هذا روي عن سفيان، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في شرف أصحاب الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع، قال: سمعت سفيان يقول: لا نعلم شيئا من الأعمال أفضل من طلب العلم والحديث لمن حسنت فيه نيته .
(وقال أبو الدرداء) رضي الله عنه: (من رأى أن الغدو) أي: الذهاب أول النهار، وزاد في رواية: والرواح (إلى) طلب ( العلم) وتحصيله (ليس بجهاد) أي: حقيقة أو قائما مقامه (فقد نقص في [ ص: 104 ] عقله ورأيه) بل هو المجاهد الأكبر؛ لأن الجهاد يقاتل قوما مخصوصين في قطر مخصوص، والعالم حجة الله على المعارض في سائر الأقطار، وبيده سلاح العلم، يقاتل به؛ فقد أخرج الديلمي nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم، عن nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك، رفعاه: "طالب العلم كالغادي والرائح في سبيل الله عز وجل".
وأخرج الديلمي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: "طالب العلم أفضل عند الله من المجاهد في سبيل الله" ومثله قول nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار: "طالب العلم كالغادي الرائح في سبيل الله عز وجل".
قال: (والمراد) من الإنذار (هو التعليم والإرشاد) قال ابن عرفة: الإنذار هو الإعلام بالشيء الذي يحذر منه كل منذر معلم، ولا عكس اهـ .
فحينئذ تفسيره بالتعليم هو المطابق، كما أنه يأتي بمعنى الإعلام أيضا كما تقدم .
وأما بالإرشاد فهو تفسير باللازم، كما لا يخفى، ثم إن الإنذار يتعدى باثنين لنفسه، كقوله تعالى: إنا أنذرناكم عذابا قريبا ويجوز في ثاني مفعوليه الحذف اقتصارا لا اختصارا، كما هنا، ونحو: كلوا واشربوا، وهذه الآية ندب الله تعالى بها المؤمنين إلى التفقه في الدين، وهو تعلمه، وقد تقدم: ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم وهو التعليم .
وقد اختلف في الآية، فقيل: المعنى: إن المؤمنين لم يكونوا لينفروا كلهم للتفقه والتعلم، بل ينبغي أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة تتفقه تلك الطائفة، ثم ترجع تعلم القاعدين، فيكون النفير على هذا نفير تعلم، والطائفة يقال على الواحد فما زاد، قالوا: فهو دليل على قبول خبر الواحد، وعلى هذا حملها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة، وقالت طائفة: للجهاد وفرقة تقعد تتفقه في الدين، فإذا جاءت الطائفة التي نفرت فقهتها القاعدة وعلمتها ما أنزل من الدين والحلال والحرام .
وعلى هذا فيكون قوله: "ليتفقهوا" "ولينذروا" للفرقة التي نفرت منها طائفة، وهذا قول الأكثرين، وعلى هذا فالنفير نفير جهاد على أصله؛ فإنه حيث استعمل إنما يفهم منه الجهاد، وعلى القولين فهو ترغيب في التفقه في الدين وتعلمه وتعليمه؛ فإن ذلك يعدل الجهاد، بل ربما يكون أفضل منه، كما تقدم .
(وقوله) تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) أي: أعطوه (ليبيننه للناس) أي ليظهرنه بالإعلام والتعليم (ولا يكتمونه) قال: (وهو إيجاب للتعليم) ويسمى هذا بيان الاختبار، ومنه أيضا قوله تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم .
قال الحسن: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله، فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد .
أحدهما: ذو القلب الواعي الذكي، الذي يكتفي بهدايته بأدنى تنبيه، فهذا لا يحتاج إلا إلى وصول الهدى إليه؛ لكمال استعداده وصحة فطرته، فإذا جاء الهدى سارع قلبه إلى قبوله، كأنه مكتوب فيه، وهذه حال أكمل الخلق استجابة لدعوة الرسل، كما هي حال الصديق رضي الله عنه .
والنوع الثاني: من ليس له هذا الاستعداد والقبول، فإذا ورد عليه الهدى أصغى إليه سمعه، وأحضر قلبه، وعلم صحته وحسنه بنظره واستدلاله، وهذه طريقة أكثر المستجيبين، والأولون هم الذين يدعون بالحكمة [ ص: 105 ] وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة، فهؤلاء نوعا المستجيبين .
وأما المعارضون الدافعون للحق فنوعان:
نوع يدعون بالمجادلة بالتي هي أحسن، فإن استجابوا وإلا فالمجالدة، فهؤلاء لا بد لهم من جدال أو جلاد، ومن تأمل دعوة القرآن وجدها شاملة لهؤلاء الأقسام، كما بين ذلك قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك الآية. وأما أهل الجلاد فهم الذين أمر الله تعالى بقتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
وأما من فسر قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة إنها القياس البرهاني، والموعظة الحسنة القياس الخطابي وجادلهم بالتي هي أحسن القياس الجدلي - فهذا ليس من تفسير الصحابة ولا التابعين ولا أحد من أئمة التفسير، بل هو تحريف لكلام الله تعالى، وحمل له على اصطلاح المنطقية، وهذا من جنس تفاسير القرامطة والباطنية والمعتزلة، والقرآن بريء من ذلك كله، منزه عن هذه الهذايانات .
(وقال) تعالى: ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الحكمة في معارف الشرع اسم للعلوم المدركة بالعقل، وقد أفرد ذكرها في عامة القرآن عن الكتاب، فجعل الكتاب اسما لما لا يدرك إلا من جهة النبوة، والحكمة لما يدرك من جهة العقل، وجعلا منزلين، وإن إنزالهما من الله تعالى، وقد يكونان مختلفين، وجمع بينهما في الذكر لحاجة كل واحد منهما إلى الآخر، فقد قيل: لولا الكتاب لأصبح العقل حائرا، ولولا العقل لم ينتفع بالكتاب. وقيل: الكتاب بمنزلة اليد، والحكمة بمنزلة الميزان، ولا تعرف المقادير إلا بهما؛ ولذلك عبر عن الحكمة بالميزان في قوله تعالى: الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان .
ولا يبلغ الحكمة إلا أحد رجلين: إما مهذب في فهمه، موفق في فعله، ساعده معلم ناصح، وكفاية وعمر. وإما إلهي، يصطفيه الله، فتفتح عليه أبواب الحكمة بفيض إلهي، ويلقي إليه مقاليد جوده، فيبلغه ذروة السعادة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .