ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة فلا يستعد إلا لنهاره ، وأما للغد فلا .
قال عيسى عليه السلام : " لا تهتموا برزق غد ، فإن يكن غدا من آجالكم فستأتي فيه أرزاقكم مع آجالكم ، وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتموا لآجال غيركم .
" ومنهم من لا يجاوز أمله ساعة ، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=664625إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ومنهم من لا يقدر البقاء أيضا ساعة ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيمم مع القدرة على الماء قبل مضي ساعة ، ويقول لعلي لا : " أبلغه " ومنهم من يكون الموت نصب عينيه كأنه واقع به فهو ينتظره . وهذا الإنسان هو الذي يصلي صلاة مودع وفيه ورد ما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقيقة إيمانه فقال : ما خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتبعها أخرى وكما نقل عن الأسود وهو حبشي أنه كان يصلي ليلا ، ويلتفت يمينا وشمالا ، فقال له قائل ما هذا قال أنظر : ملك الموت من أي جهة يأتيني .
فهذه مراتب الناس ، ولكل درجات عند الله ، وليس من أمله مقصور على شهر ، كمن أمله شهر ويوم ، بل بينهما تفاوت في الدرجة عند الله فإن ، الله لا يظلم مثقال ذرة ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ثم يظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى العمل ، وكل إنسان يدعي أنه قصير الأمل وهو كاذب إنما يظهر ذلك بأعماله ، فإنه يعتني بأسباب ربما لا يحتاج إليها في سنة ، فيدل ذلك على طول أمله .
وإنما علامة التوفيق أن يكون الموت نصب العين لا يغفل عنه ساعة فليستعد ، للموت الذي يرد عليه في الوقت ، فإن عاش إلى المساء شكر الله تعالى على طاعته وفرح بأنه ، لم يضيع نهاره بل استوفى منه حظه ، وادخره لنفسه ، ثم يستأنف مثله إلى الصباح ، وهكذا إذا أصبح .
ولا يتيسر هذا إلا لمن فرغ القلب عن الغد ، وما يكون فيه .
فمثل هذا إذا مات سعد وغنم ، وإن عاش سر بحسن الاستعداد ، ولذة المناجاة ، فالموت له سعادة ، والحياة له مزيد ، فليكن الموت على بالك يا مسكين ، فإن السير حاث بك وأنت غافل عن نفسك ، ولعلك قد قاربت المنزل ، وقطعت المسافة ، ولا تكون كذلك إلا بمبادرة العمل اغتناما لكل نفس أمهلت فيه .
(ومنهم من يأمل إلى سنة، فلا يشتغل بتدبير ما وراءها، فلا يقدر لنفسه وجودا في عام قابل، ولكن هذا يستعد في الصيف للشتاء، وفي الشتاء للصيف، وإذا جمع ما يكفيه لسنة اشتغل بالعبادة. ومنهم من يأمل مدة الصيف أو ) مدة (الشتاء فلا يدخر في الصيف ثياب الشتاء، ولا في الشتاء ثياب الصيف. ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة فلا يستعد إلا لنهاره، وأما للغد فلا. قال عيسى عليه السلام: "لا تهتموا برزق غد، فإن يكن غدا من آجالكم فستأتي فيه أرزاقكم مع آجالكم، وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتموا لآجال غيركم" ) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الزهد عن سفيان نحوه .
(ومنهم من لا يجاوز أمله ساعة، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله ) بن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=664625 (إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ) تقدم تقريبا. (ومنهم من لا يقدر البقاء أيضا ساعة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيمم مع القدرة على الماء قبل مضي ساعة، ويقول: "لعليلا أبلغه" ) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في قصر الأمل من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وتقدم قريبا. (ومنهم من يكون الموت نصب عينيه ) لا يفارقه (كأنه واقع به فهو ينتظره. وهذا الإنسان هو الذي يصلي صلاة مودع ) روى الديلمي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: "اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن تحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه". وروى nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب: nindex.php?page=hadith&LINKID=703245 "إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع". وعند nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: nindex.php?page=hadith&LINKID=910675 "صل صلاة مودع، كأنك لا تصلي بعدها". وعند العسكري في الأمثال من حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص: "وصل صلاتك وأنت مودع". (وفيه ورد ما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله عنه لما سأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن حقيقة إيمانه فقال: ما خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتبعها بأخرى ) قال العراقي رواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وهو ضعيف. (وكما نقل عن الأسود وهو حبشي ) أي أسود اللون (أنه كان يصلي ليلا، ويلتفت يمينا وشمالا، فقال له [ ص: 252 ] قائل ما هذا ) الالتفات؟ (قال: أنتظر ملك الموت من أي جهة يأتيني ) .
(فهذه مراتب الناس، ولكل درجات عند الله، وليس من أمله مقصور على شهر، كمن أمله شهر ويوم، بل بينهما تفاوت في الدرجة عند الله، فإن الله لا يظلم مثقال ذرة، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ثم يظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى العمل، وكل إنسان يدعي أنه قصير الأمل وهو كاذب ) في دعواه (وإنما يظهر ذلك بأعماله، فإنه يعتني بأسباب ربما لا يحتاج إليها في سنته، فيدل ذلك على طول أمله، وإنما علامة التوفيق أن يكون الموت نصب العين لا يغفل عنه ساعة، فيستعد للموت الذي يرد عليه في الوقت، فإن عاش إلى المساء شكر الله تعالى على طاعته وفرح، فإنه لم يضيع نهاره بل استوفى منه حظه، وادخره لنفسه، ثم يستأنف مثله إلى الصباح، وهكذا إذا أصبح. ولا يتيسر هذا إلا لمن فرغ القلب عن الغد، وما يكون فيه، فمثل هذا إذا مات سعد وغنم، وإن عاش سر لحسن الاستعداد، ولذة المناجاة، فالموت له سعادة، والحياة له مزيد، فليكن الموت على بالك يا مسكين، فإن السير حاث بك وأنت غافل عن نفسك، ولعلك قد قاربت المنزل، وقطعت المسافة، ولا تكون كذلك إلا بمبادرة العمل اغتناما لكل نفس أمهلت فيه ) .
اعلم أن العارف الكامل المستهتر بذكر الله تعالى، مستغن عن ذكر الموت، بل حاله الغنى في التوحيد لا التفات له إلى ماض، ولا مستقبل، ولا إلى الحال من حيث إنه حال، بل هو ابن وقته. وكذلك يفارقه الخوف والرجاء لأنهما سوطان يسوقان العبد إلى هذه الحال التي ملابسها بالذوق، وكيف يذكر الموت، وإنما يراد ذكر الموت لقطع علاقة قلبه عما يفارقه بالموت. والعارف قد مات في حق الدنيا، وفي حق كل ما يفارقه بالموت، فإنه قد ترفع وتنزه عن الالتفات إلى الآخرة أيضا فضلا عن الدنيا، بل قد ينغص عليه ما سوى الله تعالى، ولم يبق له من الموت إلا كشف الغطاء ليزداد به وضوحا ليزداد يقينا; وهو معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=8علي- رضي الله عنه- : "لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا". فإن الناظر إلى غيره من وراء ستر لا يزداد برفع الستر يقينا، بل يزداد وضوحا فقط، فإذا ذكر الموت يحتاج إليه من لقلبه التفات إلى الدنيا، ليعلم أنه سيفارقها فلا يعتكف بهمته عليها; فتأمل ذلك .