ومنها مشاهدة الملكين الحافظين ، قال وهيب بلغنا أنه ما من ميت يموت حتى يتراءى له ملكاه الكاتبان عمله ، فإن كان مطيعا قالا له : جزاك الله عنا خيرا ، فرب مجلس صدق أجلستنا ، وعمل صالح أحضرتنا . وإن كان فاجرا قالا له : لا جزاك الله عنا خيرا ، فرب مجلس سوء أجلستنا ، وعمل غير صالح أحضرتنا ، وكلام قبيح أسمعتنا ، فلا جزاك الله عنا خيرا .
فذلك شخوص بصر الميت إليهما ، ولا يرجع إلى الدنيا أبدا .
الداهية الثالثة مشاهدة العصاة مواضعهم من النار ، وخوفهم قبل المشاهدة ، فإنهم في حال السكرات قد تخاذلت قواهم ، واستسلمت للخروج أرواحهم ولن تخرج أرواحهم ما لم يسمعوا نغمة ملك الموت بأحد البشريين ، إما أبشر يا عدو الله بالنار أو أبشر يا ولي الله بالجنة .
: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالوا : كلنا نكره الموت ، قال : ليس ذاك بذاك ، إن المؤمن إذا فرج له عما هو قادم عليه أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وروي أن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان قال nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود وهو لما به من آخر الليل : قم فانظر أي ساعة هي ، فقام nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ثم جاءه فقال : قد طلعت الحمراء فقال nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة أعوذ بالله من صباح إلى النار ودخل مروان على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فقال مروان : اللهم خفف عنه ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة اللهم اشدد ، ثم بكى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وقال : والله ما أبكي حزنا على الدنيا ولا جزعا من فراقكم ولكن أنتظر إحدى البشريين من ربي بجنة أم بنار .
وروي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله إذا رضي عن عبد قال : يا ملك الموت اذهب إلى فلان فأتني بروحه لأريحه ، حسبي من عمله قد بلوته فوجدته حيث أحب ، فينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة ومعهم قضبان الريحان وأصول الزعفران ، كل واحد منهم يبشره ببشارة سوى بشارة صاحبه ، وتقوم الملائكة صفين لخروج روحه معهم الريحان ، فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده على رأسه ثم صرخ ، قال : فيقول له جنوده ما لك : يا سيدنا ؟ فيقول : أما ترون ما أعطي هذا العبد من الكرامة ؟ أين كنتم من هذا ؟ قالوا قد : جهدنا به فكان معصوما .
(ومنها مشاهدة الملكين الحافظين، قال وهيب ) بن الورد المكي، العابد، الثقة، أبو عثمان، قيل اسمه عبد الوهاب، ووهيب لقبه، روى له nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي: (بلغنا أنه ما ميت يموت حتى يتراءى له ملكاه الكاتبان عمله، فإن كان مطيعا قالا له: جزاك الله عنا خيرا، فرب مجلس صدق أجلستنا، وعمل صالح أحضرتنا. وإن كان فاجرا قالا له: لا جزاك الله عنا خيرا، فرب مجلس سوء أجلستنا، وعمل غير صالح قد أحضرتنا، وكلام قبيح قد أسمعتنا، فلا جزاك الله عنا خيرا ) قال (فذلك شخوص بصر الميت إليهما، ولا يرجع إلى الدنيا أبدا ) . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الموت فقال: حدثنا عبد الكريم أبو يحيى حدثنا عبيد الله بن محمد بن يزيد بن خنيس حدثنا أبي عن nindex.php?page=showalam&ids=17286وهيب بن الورد قال: بلغنا أنه ما من ميت يموت حتى يتراءى ملكاه اللذان كانا يحفظان عليه عمله في الدنيا، فإن كان صحبهما بطاعة قالا له: جزاك الله عنا من جليس خيرا، فرب مجلس صدق قد أجلستناه، وعمل صالح قد أحضرتناه، وكلام حسن قد أسمعتناه، فجزاك الله عنا من جليس خيرا. وإن كان صحبهما بغير ذلك مما ليس لله برضا قلبا عليه الثناء فقالا: لا جزاك الله عنا من جليس خيرا، فرب مجلس سوء قد أجلستناه، وعمل غير صالح قد أحضرتناه، وكلام قبيح قد أسمعتناه، فلا جزاك الله عنا من جليس خيرا. قال: فذاك شخوص بصر الميت إليهما، ولا يرجع إلى الدنيا أبدا. ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من هذا الوجه فقال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المؤذن حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبان حدثنا أبو بكر بن عبيد هو ابن أبي الدنيا فساقه .
(الداهية الثالثة مشاهدة العصاة مواضعهم من النار، وخوفهم قبل المشاهدة، فإنهم في حال السكرات قد تخاذلت قواهم، واستسلمت للخروج أرواحهم ) أي انقادت (ولن تخرج أرواحهم ما لم يسمعوا نغمة ملك [ ص: 266 ] الموت بإحدى البشريين، إما أبشر يا عبد الله بالنار أو أبشر يا ولي الله بالجنة. وعن هذا كان خوف أرباب الألباب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لن يخرج أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيره، وحتى يرى مقعده من الجنة أو النار ) . قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الموت من رواية رجل لم يسم عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي مرفوعا: "لا يخرج نفس ابن آدم من الدنيا حتى يعلم إلى أين مصيره إلى الجنة أم إلى النار". وفي رواية: "حرام على نفس أن تخرج من الدنيا حتى تعلم من أهل الجنة هي أم من أهل النار". وفي الصحيحين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ما يشهد لذلك أن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، وأن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته الحديث اهـ. قلت: وروى nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=13563وابن منده بسند ضعيف من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: "ما من نفس تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة والنار" الحديث .
(وروي أن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان ) رضي الله عنهما (قال nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود ) كذا في النسخ كلها، وهو خطأ، والصواب nindex.php?page=showalam&ids=91لأبي مسعود، وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، البدري، صحابي جليل، وكان ملازما nindex.php?page=showalam&ids=21لحذيفة في مرضه الذي مات فيه (وهو لما به من آخر الليل: قم فانظر أي ساعة هي، فقام nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ) كذا في النسخ، والصواب أبو مسعود (ثم جاءه فقال: قد طلعت الحمراء ) وهي النجمة التي تطلع قبل الفجر بقليل (فقال nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ) رضي الله عنه (أعوذ بك من صباح إلى النار ) . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا: حدثني الربيع بن تغلب حدثنا فرج بن فضالة عن أسد بن وداعة قال: لما مرض nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة مرضه الذي مات فيه قالوا له: ما تشتهي... فساق الحديث، وفيه: ثم قال: أصبحنا؟ قالوا: نعم، قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح النار، حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية حدثنا أبو حامد بن جبلة حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم حدثنا حصين عن nindex.php?page=showalam&ids=16115أبي وائل قال: "لما ثقل حذيفة أتاه ناس من بني عبس، فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال: أتيناه وهو بالمدائن، حتى دخلنا عليه جوف الليل، فقال لنا: أي ساعة هذه؟ فقلنا جوف الليل أو آخر الليل، فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار، ثم قال: أجئتم معكم بأكفان؟ قلنا: نعم، قال: فلا تغالوا بأكفاني فإنه إن يكن لصاحبكم عند الله خير فإنه يبدل بكسوته كسوة خيرا منها، وإلا يسلب سلبا".
وروي من طريق جرير عن إسماعيل عن قيس عن أبي مسعود قال: "لما أتي nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بكفنه، وكان مستندا إلى أبي مسعود، فأتي بكفن جديد، فقال: ما تصنعون بهذا؟... الحديث. وروي أيضا من طريق أبي إسحاق [ ص: 267 ] أن nindex.php?page=showalam&ids=16238صلة بن زفر حدثه أن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بعثني وأبا مسعود فابتعنا له كفنا فساق الحديث، وإنما ذكرت هاتين الروايتين ليظهر أن في سياق المصنف هو أبو السعود لا nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود (ودخل مروان) بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن مناف القرشي الأموي أبو عبد الملك ويقال: أبو القاسم، ويقال: أبو الحكم المدني، ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع، لم يصح له سماع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث الحديبية بطوله وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي، وكان كاتبا nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان وولي إمرة المدينة nindex.php?page=showalam&ids=33لمعاوية والموسم، وبويع له بالخلافة بعد موت nindex.php?page=showalam&ids=17113معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية، وكان nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك بن قيس قد غلب على دمشق وبايع بها nindex.php?page=showalam&ids=16414لابن الزبير، ثم دعا إلى نفسه فصده مروان فواقعه بمرج راهط فقتل الضحاك وغلب على دمشق وذلك، في أواخر سنة أربع وستين ومات بها في رمضان سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين وكانت خلافته تسعة أشهر، وقيل: عشرة إلا أياما .
ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير أنه قال: كان مروان لا يتهم في الحديث، روى له الجماعة إلا nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلما (على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة) -رضي الله عنه- وذلك حين مرض المرض الذي مات فيه (فقال مروان: اللهم خفف عنه، فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة) -رضي الله عنه- (اللهم اشدد، ثم بكى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة) -رضي الله عنه- (وقال: والله ما أبكي حزنا على الدنيا ولا جزعا من فراقكم ولكن أنتظر إحدى البشريين من ربي بجنة أو نار)
رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الموت عن nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17125معن، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد المقبري، قال: دخل مروان على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه، فقال: شفاك الله، فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان أصحاب القطن حتى مات -رحمه الله تعالى- وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في كتاب الثبات من هذا الوجه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية: حدثنا أحمد بن بندار، حدثنا إبراهيم بن الحارث حدثنا عباس النرسي، حدثنا عبد الوهاب بن الورد، عن مسلم بن بشير بن عجل أن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما أنا لا أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أصبحت في صعود مهبط على جنة ونار لا أدري أيهما يؤخذ بي.
(وروي في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله -عز وجل- إذا رضي عن عبد قال: يا ملك الموت اذهب إلى فلان فأتني بروحه لأريحه، حسبي من عمله قد بلوته فوجدته حيث أحب، فينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة ومعهم قضبان الريحان وأصول الزعفران، كل واحد منهم يبشره ببشارة سوى بشارة صاحبه، وتقوم الملائكة صفين لخروج روحه معهم الريحان، فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده على رأسه ثم صرخ، قال: فيقول له جنوده: ما لك يا سيدنا؟ فيقول: أما ترون ما أعطي هذا العبد من الكرامة؟ أين كنتم عن هذا؟ قالوا: جهدنا به فكان معصوما) .
قلت: أما حديث تميم فقال nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الموت: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا عمر بن جرير الأحمسي، حدثنا بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمر، وعن يزيد الرقاشي، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، قال: كان nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري يحدثنا في زمن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال ذات يوم: يقول الله تبارك وتعالى لملك الموت: انطلق يا ملك الموت إلى وليي فأتني به فإني قد ضربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب فأتني به لأريحه من هموم الدنيا وغمومها، فينطلق إليه ملك الموت ومعهم خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من حنوط الجنة ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونا لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر، فيجلس ملك الموت عند رأسه، وتحتوشه الملائكة، ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه ويبسط ذلك الحرير الأبيض وذلك المسك الأذفر تحت ذقنه، ويفتح له باب إلى الجنة. قال: فإن نفسه عند ذلك لتعلل بطرف الجنة مرة بأزواجها ومرة بكسوتها ومرة بثمارها، كما يعلل الصبي أهله إذا بكى وإن أزواجه يبتهشن عند ذلك ابتهاشا، وتنزو الروح نزوا، ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح [ ص: 268 ] الطيبة إلى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب، قال: وملك الموت أشد تلطفا به من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيب إلى ربه، كريم على الله، فهو يلتمس بلطفه تلك الروح رضا الله عنه، فيسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، قال: وإن روحه لتخرج والملائكة حوله يقولون: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون، وذلك قوله: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم قال: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم قال: روح من جهد الموت وريحان يتلقى به عند خروج نفسه وجنة نعيم أمامه، أو قال: مقابله، فإذا قبض ملك الموت روحه يقول الروح للجسد: جزاك الله بي خيرا لقد كنت بي سريعا إلى طاعة الله بطيئا عن معصية الله فهنيئا لك اليوم فقد نجوت وأنجيت، ويقول الجسد للروح مثل ذلك .
قال: وتبكي عليه بقاع الأرض التي كانت يطيع الله عليها، وكل باب من السماء كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة، فإذا قبضت الملائكة روحه أقامت الخمسمائة ملك عند جسده لا تقلبه بنو آدم بشق إلا قلبته الملائكة قبلهم وعلته بأكفان قبل أكفانهم وحنوط قبل حنوطهم ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، ويصيح إبليس عند ذلك صيحة يتصدع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم كيف خلص هذا العبد منكم؟ فيقولون: إن هذا كان معصوما، فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء استقبله جبريل -عليه السلام- في سبعين ألفا من الملائكة كلهم يأتيه ببشارة من ربه، فإذا انتهى ملك الموت إلى العرش خرت الروح ساجدة لربها، فيقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود وطلح منضوض وظل ممدود وماء مسكوب، فإذا وضع في قبره جاءت الصلاة فكانت عن يمينه، وجاء الصيام فكان عن يساره وجاء القرآن والذكر فكانا عند رأسه، وجاء مشيه إلى الصلوات فكان عند رجليه، فجاء الصبر فكان ناحية القبر، فيبعث الله عنقا من العذاب فيأتيه عن يمينه فتقول الصلاة: وراءك، والله ما زال دائبا عمره كله وإنما استراح الآن حين وضع في قبره، قال: فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك .
قال: فيأتيه من قبل رأسه فيقال له مثل ذلك فلا يأتيه العذاب من ناحية فيلتمس هل يجد له مساغا إلا وجد ولي الله قد أحرزته الطاعة، قال: فيخرج عنه العذاب عندما يرى، ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشره أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم فلو عجزتم كنت أنا صاحبه. فأما إذا أجزأتم عنه فأنا ذخر له عند الميزان .
قال: ويبعث الله إليه ملكين أبصارهم كالبرق الخاطف وأصواتهم كالرعد القاصف وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب يطآن في أشعارهما، بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة إلا بالمؤمنين، يقال لهما: منكر ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عليها الثقلان لم يقلوها، فيقولان له: اجلس، فيستوي جالسا في قبره فتسقط أكفانه في حقويه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، وهو خاتم النبيين فيقولان له: صدقت، فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ومن قبل رأسه ومن قبل رجله، ثم يقولان له: انظر فوقك فينظر فإذا هو مفتوح إلى الجنة، فيقولان له هذا منزلك يا ولي الله لما أطعت الله .
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فوالذي نفس محمد بيده إنه لتصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدا فيقال له انظر تحتك فينظر تحته فإذا هو مفتوح إلى النار فيقولان له يا ولي الله نجوت من هذا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده إنه لتصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدا، وتفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله من قبره.
قال: ويقول الله تعالى لملك الموت: انطلق إلى عدوي فأتني به فإني قد بسطت له رزقي وسربلته بنعمتي وأبى إلا معصيتي فأتني به لأنتقم منه اليوم، فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة يراها أحد من الناس له ثنتا عشر عينا ومعه سفود من نار كثير الشوك ومعه خمسمائة من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم ومعهم سياط من نار تأجج، فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربا يغيب أصل كل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعرق من عروقه ثم يلويه ليا شديدا فينزع روحه من أظفار قدميه فيعلقها في عقبيه فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة وتضرب الملائكة وجه ودبره بتلك السياط ثم يجذبه جذبة فينزع روحه من عقبيه فيلقيها في [ ص: 269 ] ركبتيه فيسكر عدو الله سكرة وتضرب الملائكة وجهه ودبره، ثم كذلك إلى حقويه، ثم كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه، ثم يبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه، ثم يقول ملك الموت: اخرجي أيتها النفس اللعينة الملعونة إلى سموم وحموم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم، فإذا قبض ملك الموت روحه قالت الروح للجسد: جزاك الله عني شرا لقد كنت سريعا بي إلى معصية الله بطيئا بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت، ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من بني آدم النار، فإذا وضع في قبره ضيق الله عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فتدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى، ويبعث الله إليه حيات دهما فتأخذ برقبته وإبهام قدميه فتقوضه حتى تلتقي في وسطه .
قال: ويبعث الله إليه ملكين فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيضربانه ضربا يتطاير الشرار في قبره، ثم يعدو فيقولان له: انظر فوقك، فإذا باب مفتوح من الجنة، فيقولان: عدو الله لو أطعت الله لكان هذا منزلك، قال: فوالذي نفس محمد بيده أنه لتصل إلى قلبه حسرة لا ترتد أبدا، ويفتح له باب من النار فيقال له: عدو الله هذا منزلك لما عصيت الله، ويفتح له سبعة وسبعون بابا إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه الله يوم القيامة إلى النار.
قال السيوطي في أمالي الدرة الفاخرة بعد أن أورده من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا: هذا حديث غريب، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى في مسنده الكبير عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن محمد بن بكر البرساني، عن أبي عاصم البصري، عن بكر بن خنيس، عن ضرار، عن يزيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، عن تميم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله لملك الموت: انطلق إلى وليي. فذكره بطوله، قال الحافظ ابن حجر: وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء المشهور، لكن هذا عجيب السياق، غريب الإسناد، لا نعرف أحدا روى عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عن تميم إلا من هذا الوجه، ويزيد الرقاشي سيئ الحفظ جدا، كثير المناكير، كان لا يضبط الإسناد، ودونه من هو مثله أو أشد ضعفا. اهـ .
قال السيوطي: ومن شواهده حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وله طرق، قلت: وسيأتي حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فيما بعد إن شاء الله تعالى، وقول الحافظ: ودونه من هو مثله أو أشد ضعفا، يعني: أن رواته من بعد يزيد ضعفاء، ضرار بن عمر الملطي الراوي له عن يزيد قال الذهبي: متروك، والراوي عنه بكر بن قيس الكوفي، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: متروك، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: كوفي عابد سكن بغداد، صدوق له أغلاط، أفرط فيه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان، وهو من رجال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وأبو عاصم البصري في سياق أبي يعلى هو العباداني اسمه عبد الله بن عبيد الله أو بالعكس، ويقال: ابن عبد بغير إضافة، من رجال nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه، لين الحديث، وقال الذهبي: روى عن الفضل الرقاشي، له حديث منكر، وعمرو بن جرير الأحمسي في سياق nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا ويقال: البجلي أبو سعيد، قال الذهبي: كذلك ومحمد بن الحسين شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا هو nindex.php?page=showalam&ids=11886أبو الفتح الأزدي صاحب مناكير، ضعفه nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني.
قوله: ضباير، بضاد معجمة وباء موحدة آخره راء، قال ابن الأثير في النهاية: هي الجماعات في تفرقة واحدتها ضبارة بالكسر، مثل: عمارة وعماير، وكل مجتمع ضبارة .
وقوله: بطرف الجنة، بضم المهملة وفتح الراء، جمع: طرفة، وهي المستحدث من المال كالطريف والطارف، وهو خلاف التليد والتالد .
وقوله: ليبتهشن، في النهاية يقال: الإنسان إذا نظر إلى شيء فأعجب واشتهاه وأسرع نحوه فقد بهش إليه، وفي الصحاح: بهش إليه يبهش بهشا، إذا ارتاح إليه وخف إليه .
وقوله: تنزو الروح، في الصحاح: ينزو إلى كذا، أي: ينازع إليه ويسرع ويثب إليه، وفي النهاية نحوه، وقيل: تنزو أي: تنسل .
وقوله: دائبا من الدءوب أي: جادا تعبا، وقوله: عنقا من العذاب أي: طائفة منه، وقوله: كالصياصي بمهملتين وهي قرون البقر جمع: صيصية بالتخفيف، والسفود ،كتنور: الحديدة التي يشوى بها اللحم، والنحاس لا لهب فيه، والتأجج: بجمين، التوقد .
وقوله: دهما، يحتمل أن يكون بضم أوله أي: سودا، فيكون جمع دهماء، ويحتمل أن يكون بفتحه أي: يكون عددا كثيرا فيكون مفردا، والجمع: دهوم .
وقوله: فتقوضه بقاف، ثم واو، ثم ضاد معجمة، في الصحاح: قوضت البناء، نقضته من غير هدم، وتقوضت الحلق والصفوف انتقضت وتفرقت، وفي النهاية تقويض الخيام: قلعها وإزالتها، وقوضت الجمرة: جاءت وذهبت ولم تقر .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي [ ص: 270 ] عزاه العراقي nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي فسيأتي للمصنف في بيان عذاب القبر وسؤال منكر ونكير، وكذا حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر ونتكلم عليهما هناك إن شاء الله تعالى .