اعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين ، فإن الله تعالى بفضله يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين بل شفاعة العلماء والصالحين ، وكل من له عند الله تعالى جاه وحسن معاملة ، فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه ، فكن حريصا على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة ؛ وذلك بأن لا تحقر آدميا أصلا ؛ فإن الله تعالى خبأ ولايته في عباده ، فلعل الذي تزدريه عينك هو ولي الله ، ولا تستصغر معصية أصلا ؛ فإن الله تعالى خبأ غضبه في معاصيه ، فلعل مقت الله فيه ، ولا تستحقر أصلا طاعة فإن الله تعالى خبأ رضاه في طاعته ، فلعل رضاه فيه ولو الكلمة الطيبة أو اللقمة أو النية الحسنة أو ما يجري مجراه .
وقد جاءت الروايات من الأخبار التي بلغ مجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وقد أشار المصنف إلى ذلك، فقال:
(اعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين، فإن الله تعالى بفضله يقبل شفاعة الأنبياء والصديقين بل شفاعة العلماء والصالحين، وكل من له عند الله جاه وحسن معاملة، فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصا على أن تكسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة؛ وذلك بأن لا تحقر آدميا أصلا؛ فإن الله تعالى خبأ ولايته في عباده، فلعل الذي تزدريه عينك هو ولي الله، ولا تستصغر معصية أصلا؛ فإن الله تعالى خبأ غضبه في معاصيه، فلعل غضب الله فيه، ولا تستحقر طاعة أصلا فإن الله تعالى خبأ رضاه في طاعته، فلعل رضا الله فيه) نقل هذا السياق عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، كما في القوت، وتقدم وساقه بأطول منه الزندويستي في كتابه روضة العلماء .
(ولو الكلمة الطيبة أو اللقمة) الصغيرة (أو النية الحسنة أو ما يجري مجراه وشواهد الشفاعة في القرآن والأخبار) المروية (كثيرة) ، ومن أدلها (ما قال الله تعالى) في كتابه العزيز عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا اتفق المفسرون على أن كلمة "عسى" من الله واجبة. قال أهل المعاني: لأن لفظ "عسى" تفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء ثم حرمه كان عارا، والله تعالى أكرم من أن يطمع أحدا في شيء، ثم لا يعطيه ذلك .
فقد اختلف في تفسير المقام المحمود على أقوال: أحدها: أنه الشفاعة. قال nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي: أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية: هو المقام الذي أشفع فيه، قال الفخر الرازي: اللفظ مشعر بذلك؛ لأن الإنسان إنما يصير محمودا إذ حمده حامد إنما يكون على الإنعام، فهذا المقام المحمود يجب أن يكون مقاما أنعم فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قومه فحمدوه على ذلك الإنعام؛ وذلك الإنعام لا يجوز أن يكون هو تبليغ الدين وتعليمهم؛ لأن ذلك كان حاصلا في الحال، وقوله: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا يدل على أنه يحصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك المقام حمد بالغ عظيم كامل، ومن المعلوم أن حمد الإنسان على سعيه في التخلص من العقاب أعظم من سعيه في زيادة من الثواب ولا حاجة به إليها؛ لأن احتياج الإنسان في دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائدة التي لا حاجة إلى تحصيلها، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا هو الشفاعة في إسقاط العذاب على ما هو مذهب أهل السنة .
ثم وردت الأخبار الصحيحة في تقرير هذا المعنى كما في الصحيحين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وغيره فيجب حمل اللفظ عليه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : الأكثر على أن المراد من المقام المحمود الشفاء، وادعى الإمام فخر الدين الاتفاق عليه .
القول الثاني في مقام الدعاء، كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني، القول الثالث: مقام تحمد عاقبته وضعفهما الفخر، القول الرابع: هو إجلاسه -صلى الله عليه وسلم- على العرش أو على الكرسي، وقد روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي جدا وبالغ في رده، وأجاب ابن عطية بقوله: وهو كذلك إذا حمل على ما يليق به، وقال الحافظ في الفتح: هو غير مدفوع لا من جهة النقل ولا من جهة النظر .
وقد ذكر السيوطي في الإتقان في أرجى آية في القرآن بضعة عشر قولا، وروى nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال في الآية: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار . وعند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي [ ص: 487 ] في الشعب من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عنه بلفظ: رضاه أن تدخل أمته الجنة، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عنه قال: لا يرضى محمد وواحد من أمته في النار .
قال العراقي : ليس هو من حديث nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص وإنما هو من حديث ابنه nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، ولعله سقط من الإحياء ذكر عبد الله من بعض النساخ. قلت: رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب، أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث أن nindex.php?page=showalam&ids=15557بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو فذكره ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15113اللالكائي في كتاب السنة من هذا الوجه .