فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل وليس لنا من الأعمال ما نرجو به المغفرة فنقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في التفاؤل ونرجو أن يختم عاقبتنا بالخير في الدنيا والآخرة ، كما ختمنا الكتاب بذكر رحمة الله تعالى .
ونحن نستغفر الله تعالى من كل ما زلت به القدم ، أو طغى به القلم ، في كتابنا هذا وفي سائر كتبنا ونستغفره من أقوالنا التي لا توافقها أعمالنا ، ونستغفره مما ادعيناه وأظهرناه من العلم والبصيرة بدين الله تعالى مع التقصير فيه ، ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه الكريم ثم خالطه غيره ، ونستغفره من كل وعد وعدناه به من أنفسنا ثم قصرنا في الوفاء به ، ونستغفره من كل نعمة أنعم بها علينا فاستعملناها في معصيته ، ونستغفره من كل تصريح وتعريض بنقصان ناقص وتقصير مقصر كنا متصفين به ، ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف تزينا للناس في كتاب سطرناه أو كلام ، نظمناه ، أو علم أفدناه ، أو استفدناه ، ونرجو بعد الاستغفار من جميع ذلك كله ، لنا ولمن طالع كتابنا هذا أو كتبه أو سمعه أن نكرم بالمغفرة ، والرحمة ، والتجاوز عن جميع السيئات ، ظاهرا وباطنا ، فإن الكرم عميم ، والرحمة واسعة ، والجود على أصناف الخلائق فائض .
ونحن خلق من خلق الله عز وجل ، لا وسيلة لنا إليه إلا فضله وكرمه ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله تعالى مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس ، والطير ، والبهائم ، والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وأخر تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة .
(نختم الكتاب بباب في ذكر سعة رحمة الله تعالى)
(على سبيل التفاؤل بذلك، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل) ، وهو مهموز، ويجوز التخفيف، هو: أن نسمع كلاما حسنا، فتتيمن به، وإن كان قبيحا فهو الطيرة. وجعل أبو زيد الفأل في سماع الكلامين، قال العراقي : متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، في أثناء حديث: ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة. ولهما من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=655313وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. اهـ .
قال الحليمي : الفرق بين الفأل والطيرة : أن الطيرة سوء ظن بالله، من غير سبب ظاهر يرجع الظن إليه، والتيمن بالفأل حسن ظن بالله، وتعليق تجديد الأمل به، وذلك بالإطلاق محمود .
وروى العسكري في الأمثال، nindex.php?page=showalam&ids=14245والخلعي في فؤائده، من طريق محمد بن يونس، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا السري بن يحيى، عن الحسن، عن nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل الحسن، فسمع عليا يوما يقول: هذه خضرة، فقال: لبيك، قد أخذنا فالك من فيك، فاخرجوا بنا إلى خضرة، قال فخرجوا إلى خيبر، فما سل فيها سيف إلا سيف nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-. زاد العسكري : حتى فتحها الله -عز وجل-. ومن كلمات الصوفية : ألسنة الخلق أقلام الحق، ومن قول العامة: مصر بأفوالها .
(وليس لنا من الأعمال ما نرجو به المغفرة) لذنوبنا وتقصيراتنا، (فنقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التفاؤل) ، فقد روى nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : nindex.php?page=hadith&LINKID=683058كان يتفاءل ولا يتطير، وكان يحب الاسم الحسن. (ونرجو أن يختم عاقبتنا بالخير في الدنيا والآخرة، كما ختمنا الكتاب بذكر رحمة الله تعالى، فقد قال الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وقال تعالى: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ونحن نستغفر الله تعالى من كل ما زل به القدم، أو طغى به القلم، في كتابنا هذا) ، المسمى بالإحياء، (وفي سائر كتبنا) ، التي ألفناها قبل هذا، أو سنؤلفه فيما بعد، (ونستغفره من أقوالنا التي لا توافقها أعمالنا، ونستغفره مما ادعيناه وأظهرناه من العلم والبصيرة بدين الله تعالى مع التقصير فيه، ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه الكريم ثم خالطه غيره، ونستغفره من كل وعد وعدناه من أنفسنا ثم قصرنا في الوفاء به، ونستغفره من كل نعمة أنعم بها علينا فاستعملناها في معصيته، ونستغفره من كل تصريح وتعريض بنقصان ناقص وتقصير مقصر كنا متصفين به، ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف تزينا للناس في كتاب سطرناه، وكلام نظمناه، أو علم أفدناه، أو استفدناه، ونرجو بعد الاستغفار من جميع ذلك كله، لنا ولمن طالع كتابنا هذا) ، مطالعة استفادة واعتبار، (أو كتبه) لنفسه، أو لغيره، (أو سمعه) من لسان آخر، في تدريس، أو مذاكرة .
ويدخل في قوله: أو كتبه، [ ص: 557 ] من خدمه بتخريج أخباره، وآثاره، وشرح كلماته، وفك رموزه، وأسراره، أو بحسن ترتيبه واختصاره، (أن يكرم بالمغفرة، والرحمة، والتجاوز عن جميع السيئات، ظاهرا، أو باطنا) ، وقد شملتنا بحمد الله تعالى هذه الدعوة الطاهرة، وأرجو من الله تعالى أن أكون من جملة من عنى به المصنف، وقد كان مجاب الدعوة، مقبول الشفاعة، وذكر غير واحد: أن من توسل به إلى الله تعالى في حاجة قضيت له، وها أنا متوسل به إلى المولى جل شأنه، أن يعيد علي وعلى سائر المؤمنين من بركات هذا الكتاب، ومؤلفه، ويميتنا، على كلمة الإخلاص، وأن يغفر لنا ذنوبنا، ما تقدم منها، وما تأخر، ويرحم فقرنا، ويجبر كسرنا، وينور قبورنا، ويثبتنا عند السؤال، ويؤنسنا في وحشة القبور، ويؤمننا يوم البعث والنشور، ويوفقنا لحسن طاعته، ويدخلنا في شفاعة حبيبه محمد -صلى الله عليه وسلم- وشفاعة خواص أمته، وأن يدخلنا الجنة، ويرفع درجاتنا فيها، ويجمع شملنا هناك بأحبابنا، ويقر أعيننا برضاه عنا، ويرينا وجهه الكريم، (فإن الكرم عميم، والرحمة واسعة، والجود على أصناف الخلائق فائض، ونحن خلق الله، لا وسيلة لنا إليه إلا فضله وكرمه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لله تعالى مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن، والإنس، والطير، والبهائم، والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وأخر تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة) .
قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، وسلمان، اهـ. قلت: وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، وفيه بعد قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=661952يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها ، والباقي سواء، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، بلفظ: إن لله تعالى مائة رحمة، قسم منها رحمة في دار الدنيا، فمن ثم يعطف الرجل على ولده، والطير على فراخه، فإذا كان يوم القيامة صيرها مائة رحمة، فعاد بها على الخلق .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن داود، عن أبي عثمان، عن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان، قال: خلق الله مائة رحمة، فجعل منها رحمة بين الخلائق، كل رحمة أعظم مما بين السماء والأرض، فبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها يشرب الطير والوحش الماء، فإذا كان يوم القيامة قبضها الله من الخلائق، فجعلها والتسع والتسعين للمتقين، فذلك قوله: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون هكذا رواه موقوفا، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم بنحوه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، ورواه الشيخان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=661951خلق الله مائة رحمة، فوضع رحمة واحدة بين خلقه، يتراحمون بها، وخبأ عنده مائة إلا واحدة .
قال التوربشتي : رحمة الله تعالى غير متناهية، فلا يعتورها التقسيم، والتجزئة، وإنما قصد من ذكره ضرب المثل للأمة; ليعرفوا التفاوت بين القسطين، قسط أهل الإيمان منها في الآخرة، وقسط كافة المربوبين في الأولى، فجعل مقدار حظ الفئتين من الرحمة في الدارين على الأقسام المذكورة، تنبيها على المستعجم، وتوقيفا على المستفهم، ولم يرد به [ ص: 558 ] تحديد ما قد جل عن الحد، أو تعديد ما تجاوز العد، اهـ .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب : الرحمة رحمتان، رحمة من صفة الذات، وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل، وهي هذه. وقال العارف البوني -رحمه الله تعالى-: الذاتية واحدة، ورحمته المتعدية متعددة، وهي كما في هذا الخبر مائة، ففي الأرض منها واحدة، يقع بها الارتباط بين الأنواع، وبها يكون حسن الطباع، والميل بين الجن، والإنس، والبهائم، كل شكل إلى شكله، والتسعة والتسعون حظ الإنسان يوم القيامة، تتصل بهذه الرحمة، فتكمل مائة، فيصعد بها في صرح الجنة، حتى يرى ذات الرحيم، ويشاهد رحمته الذاتية .