(الأصل السادس) * (أن الجنة والنار) حقان ممكنتان، لأنه أمر ضروري من جهة العقل، واقعتان لما دل به السمع، وهو ضروري من الدين، إذ الكتاب والسنة وآثار الأمة مملوءة بذكر ذلك، ولا يتوقف فيه إلا كافر، وأنهما (مخلوقتان) الآن، اتفق على ذلك أهل السنة والجماعة عملا بالقرآن، وما ورد في ذلك من الآثار، وافقنا في ذلك بعض المعتزلة، كأبي علي الجبائي، وأبي الحسن البصري، nindex.php?page=showalam&ids=15534وبشر بن المعتمر، وقال بعضهم -كأبي هاشم، وعبد الجبار وآخرين-: إنما يخلقان يوم القيامة. قالوا: لأن خلقهما قبل يوم الجزاء عبث لا فائدة فيه، فلا يليق بالحكيم. وضعفه ظاهر، لما تقرر من بطلان القول بتعليل أفعاله تعالى بالفوائد، والدليل على وجودهما الآن: (قال الله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) وفي النار: أعدت للكافرين ، في آي كثيرة ظاهرة في وجودهما الآن (فقوله تعالى: أعدت ، دليل على أنها مخلوقة) الآن (فيجب إجراؤه على الظاهر، إذ لا استحالة فيه) وكون الشيء مهيأ ومعدا لغيره فرع وجوده، وكذا قصة آدم وحواء: اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ، إلى أن قال: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وحمل مثله على بستان من بساتين الدنيا -كما زعمه بعض المعتزلة- يشبه التلاعب أو العناد، إذ المتبادر من لفظ الجنة باللام العهدية في إطلاق الشارع ليس إلا الجنة الموجودة في السنة، وظواهر كثيرة من الكتاب والسنة تصيرها قطعية باعتبار دلالة مجموعها، وأجمع الصحابة على فهم ذلك من الكتاب والسنة .
ومن شبه المعتزلة قالوا: لو خلقتا لهلكتا لقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ، واللازم باطل للإجماع على دوامهما. والجواب: تخصيصهما من عموم آية الهلاك جمعا بين الأدلة (ولا يقال) من طرف المعتزلة: (لا فائدة في خلقهما قبل يوم الجزاء) ; لأنه عبث; فلا يليق بالحكيم. والجواب: إن نفي الفائدة في خلق الجنة الآن ممنوع; إذ هي دار نعيم، أسكنها تعالى من يوحده ويسبحه بلا فترة من الحور والولدان والطير، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث علي رفعه: "إن في الجنة مجتمعا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد.."، الحديث، وروى نحوه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في صفة الجنة من حديث ابن أبي أوفى، ومن هذا ذهب الإمام nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى أن الحور العين لا يمتن بها، وأنهن فيمن استثنى الله بقوله: فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ; فهذه فائدة ترجع إلى غيره على أن نفي الفائدة في تعقل الزاعم لا ينفي وجود الحكمة في نفس الأمر وإن لم يحط بها علما; (لأن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ، ثم اختلف العلماء في محلهما، والأكثر على أن الجنة فوق السموات; عملا بقوله تعالى: عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، وقوله عليه السلام في وصف جنة الفردوس: "سقفها عرش الرحمن". وعلى أن النار تحت الأرض، وهذا لم يرد فيه نص صريح، وإنما هي ظواهر، والحق في ذلك تفويض العلم إلى الله [ ص: 222 ] وبالله التوفيق .