ولنعد إلى شرح كلام المصنف، قال: (ومن قائل يزيد) على التصديق والإقرار (أمرا ثالثا، وهو العمل بالأركان) أي: سائر الجوارح، وهذا قول الخوارج، فمسمى الإيمان عندهم تصديق القلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، فماهيته على هذا مركبة من ثلاثة، فمن أخل بشيء منها فهو كافر، ولذا قالوا: مرتكب الذنب مطلقا كافر; لانتفاء جزء الماهية، والذنوب عندهم كبائر كلها، وتعليلهم [ ص: 243 ] بانتفاء جزء الماهية مبني على أن لا واسطة بين الإيمان والكفر، أما على ما ذهب إليه المعتزلة من إثبات الواسطة فلا يلزم عندهم من انتفاء الإسلام ثبوت الكفر، وإن وافقوا الخوارج في اعتبار الأعمال فإنهم يخالفونهم من وجهين: أحدهما: أن المعتزلة يقسمون الذنوب إلى كبائر وصغائر، وارتكاب الكبيرة عندهم فسق، والفاسق عندهم ليس بمؤمن، ولا كافر، بل منزلة بين المنزلتين، والثاني: أن الطاعات عند الخوارج جزء، كانت فرضا أو نفلا، وعند المعتزلة الطاعات شرط لصحة الإيمان، ثم اختلفوا، فقال أبو الهذيل العلاف وعبد الجبار: الشرط الطاعات فرضا كانت أو نفلا، وقال الجبائي وابنه، وأكثر معتزلة البصرة: الشرط هو الطاعات المفترضة من الأفعال والتروك دون النوافل .
(تنبيه)
ذكر المصنف في مفهوم الإيمان ثلاثة أقوال: الأول nindex.php?page=showalam&ids=13711للأشعري، والثاني للحنفية، والثالث للخوارج، وبقي عليه قول من قال: إن مسماه التصديق باللسان فقط، أي: الإقرار بحقيقة ما جاء به الرسول، بأن يأتي بكلمتي الشهادة، وهو قول الكرامية، وسيأتي للمصنف قريبا، فليس عندهم من شرط كون الإيمان إيمانا وجود التصديق والمعرفة، قالوا: فإن طابق تصديق القلب فهو مؤمن ناج، وإلا فهو مؤمن مخلد في النار، فليس لهم كبير خلاف في المعنى .
وقيل: الإيمان هو المعرفة فقط. وهو قول الجهمية، وقيل: هو الإقرار بشرط التصديق والمعرفة. وهو قول عبد الله بن سعيد القطان من أئمة السنة، ولم يعرج المصنف على هذه الأقوال .