قلت: فليتدبر المؤمن العاقل هذا الكلام، مع أنه قد ينزل فيه درجة، ولم يجعل عدم إفادته اليقين إلا لتجويز المعارض العقلي، وإلا فهو وغيره في موضع آخر ينفون أن يكون الدليل السمعي مفيدا لليقين، لكونه موقوفا على مقدمات ظنية، كنقل اللغة والنحو، والتصريف وعدم المجاز، والاشتراك، والنقل والإضمار، والتخصيص وعدم المعارض السمعي أيضا مع العقلي.
وبهذا دفع
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي وغيره الاستدلال بالأدلة السمعية في هذا الباب، ونحن قد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبينا
إمكان دلالة الأدلة السمعية على اليقين، وبينا فساد ما ذكره هؤلاء الذين أسسوا قواعد الإلحاد.
[ ص: 336 ]
والمقصود هنا أن نبين اعترافهم بما ألزمناهم به. وإذا كان كذلك فيقال: نحن نعلم بالاضطرار من دين الرسول أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخبر أمته بما أخبرهم به من الغيب من أسماء الله وصفاته وغير ذلك، فإنه لم يرد منهم ألا يقروا بثبوت شيء مما أخبر به إلا بدليل منفصل غير خبره، فإذا كان القول مستلزما لكون الرسول أراد أن لا يثبت شيء بمجرد خبره، وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه كذب على الرسول، علم أن هذا القول معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام.
وهؤلاء الذين سماهم "أهل التحقيق" هم أهل التحقيق عنده، سماهم كذلك بناء على ظنه، كما
يسمي الاتحادية والحلولية أنفسهم أهل التحقيق، ويسمي كل شخص طائفته أهل الحق، بناء على ظنه واعتقاده.
ومثل هذا لا يكون مدحهم زينا، ولا ذمهم شيئا، إلا إذا كان قولا بحق.
والذي مدحه زين وذمه شين هو الله ورسوله، والذين جعلهم أهل الحق هم المذكورون في قوله تعالى:
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا [سورة الأنفال: 2-4]، فوصف المؤمنين حقا بأنهم إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا. وهؤلاء المعارضون لآياته إذا تليت عليهم آياته لم تزدهم إيمانا، بل ريبا ونفاقا.
[ ص: 337 ]
وقال تعالى:
ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم [سورة محمد: 3] ، فوصف المؤمنين بأنهم اتبعوا الحق من ربهم، ومن اتبع الحق كان محقا.