وأصل الجهل المركب هو الجهل البسيط، فإن القلب إذا كان خاليا من معرفة الحق، واعتقاده والتصديق به، كان معرضا لأن يعتقد نقيضه ويصدق به، لا سيما في
الأمور الإلهية، التي هي غاية مطالب البرية، وهي أفضل العلوم وأعلاها، وأشرفها وأسماها، والناس الأكابر لهم إليه غاية التشوف والاشتياق، وإلى جهته تمتد الأعناق، فالمهتدون فيه أئمة الهدى،
كإبراهيم الخليل وأهل بيته، وأهل الكذب فيه أئمة الضلال،
كفرعون وقومه.
قال الله تعالى في أولئك:
وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين [سورة الأنبياء: 73] .
وقال تعالى في الآخرين:
وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون [سورة القصص: 41] .
[ ص: 378 ]
فمن لم يكن فيه على طريق أئمة الهدى، كان ثغر قلبه مفتوحا لأئمة الضلال. ومصداق هذا أن ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال، كان من أسبابه تقصير من قصر في إظهار السنة والهدى، مثل ما وقع في هذا الباب، فإن الجهل المركب الذي وقع فيه أهل التكذيب والجحود في توحيد الله تعالى وصفاته، كان من أسبابه التقصير في إثبات ما جاء به الرسول عن الله، وفي معرفة معاني أسمائه وآياته، حتى أن كثيرا من المنتسبين إلى الكتاب والسنة يرون أن طريقة السلف والأئمة إنما هو الإيمان بألفاظ النصوص، والإعراض عن تدبر معانيها وفقهها وعقلها.